أمريكى = مسيحى؟
لماذا المسيحية غربية؟
ام
المسيحية غربية ... و شرقية و جنوبية و شمالية!
ترجمة: سـمـعـان بـن يـونـــا
دعونى اطرح عليكم بعض العبارات التى من المؤكد ستثير ردود افعال قوية:
كل اليهود اغنياء
كل السود رياضيون
كل فرنسى ذو خلق سئ
كل المكسيكان كسلاء
كل العرب إرهابيون
فهى عبارات مريحة، قصيرة، وعامة ويستخدمها البعض لتعريف الحضارات. ولكنها بالفعل عبارات خاطئة. فمن المؤكد انه هناك يهود اغنياء، وان هناك فرنسيون بخلق سئ، وان هناك مكسيكان كسلاء. واعلم ايضاً ان هناك بعض السود لهم اجسام رياضية، وان هناك بعض العرب إرهابيون. و لكن لا ينبغى ان نعمم صفات هذه الأفراد على اممهم او نسلهم.
فعادةً هذه العبارات تصدر من اناس غير ملمين بالحضارات المختلفة، وهى طريقة بسيطة للتعامل مع الجهلاء. فعلى الأقل ستنشئ سوء تفاهم، و لكن يمكنها ايضاً ان تجلب عاراً ومعابة!
فدعونى اطرح عليكم عبارة اخرى:
”كل الأمريكيين مسيحيون“.
كأمريكية، و كمسيحية، دعنى اؤكد لك ان هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة! ربما يصعب عليك تصديق ذلك، لكن امريكا لا تعلم ماذا تعنى كلمة ”مسيحى“!
هنا فى الولايات المتحدة، تعلمنا ان امتنا تأسست عن طريق هجرات الشعوب الأوروپية إليها هروباً من الإضطهاد الدينى هناك (نفس العقلية ”المسيحية“ التى ارادت رد الإنتباه عن مذابح المسلمين فى الحروب الصليبية التى لم تقدر ان تبررها!). تعلمنا ايضاً ان حرياتنا و قوانيننا مبنية على الحقائق المذكورة فى الكتاب المقدس. وواحدة من هذه الحريات هى حرية عبادة الله (او لا!) طبقاً للإيمان المتبع. وحريات اخرى تتضمن الخلاء من الإضطهاد والإستبداد من قبل الحكومة. فلذا، حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لديها بعض القوى المحدودة حتى تسمح للمواطنين ان يعيشوا حياة خالية من الإستبداد و لكن تتدخل – عند الضرورة – تدخلاً حازماً و رشيداً حتى تحافظ على الأمن الداخلى فى البلاد.
هذه الحريات سمحت لحدوث خليطاً شيقاً وذو شأن تاريخى؛ فشعوب من شتى الحضارات تعلموا ان يتعايشوا سوياً تحت ظل هذه الحريات والقوانين. فبالقانون، لا تستطيع ان تضطهد شخصاً لأنه لا يؤمن بعقيدتك. ومع ان هذه القوانين لا تطبق كما يجب، لكن هذا لا ينفى الواقع بأن هذه الحريات استيقت من تعاليم الكتاب المقدس ”ليس يهودى ولا يونانى. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وانثى لأنكم جميعاً واحد فى المسيح يسوع“ {غلاطية 3: 28}
ومع ذلك، فمنذ نشأة الولايات المتحدة، مرت السنون، واساس هذه الحريات تم تجاهلها تدريجياً. وبقى للناس فقط فكرة مبهمة عن ان بلدنا تأسست على مبادئ مسيحية – غير مدركين ماذا يعنى هذا – وبدأوا يعتقدون ان ”مسيحى“ هو وصف خاص بالحضارة والثقافة الأمريكية. فهل صحيح انه طالما الابوين مسيحيون إذاً فالاولاد مسيحيون ايضاً؟ كلا!
ربما لو جعل مؤسسى الولايات المتحدة المسيحية هى الديانة الرسمية، لكنا عرفنا التعريف الصحيح للـ”مسيحى“، لكنهم لم يقدروا. فمن تعاليم المسيحية هى عدم نشر الإيمان بالضغط او بالقوة. فالله يريدك ان ترجع الى محبته ورحمته برغبتك الكاملة. فلذلك مؤسسى الولايات المتحدة فعلوا فقط ما يقدروا عليه و تركوا سؤال الإيمان ليجيب عليه الاجيال المتعاقبة.
لذا فالحريات لا تحمل المسؤولية تجاه افعال الأفراد و معتقداتهم. ولسوء الحظ، وجد الناس انه من الاسهل الا يؤمنوا بشئ بدلاً من اتباع تعاليم المسيح. والأسوأ من ذلك، انهم قبلوا تعاليماً أخرى فقط لأنهم وجدوها جذابة ورفضوا تعاليم المسيح لانها تشعرهم بالضيقة! وهذا ادى الى تعريف ركيك للمسيحية. فاصبح المسيحى اما هو من ولد لابوين مسيحيين او من يحاول ان ”يفعل الشئ الصحيح“ (ايما كان). فلو حاولت ان تعامل الناس بعدل، لا تسب، ولا تشرب مسكراً، فإذاً انت تتصرف بطريقة ”مسيحية“. فلا يظهر المسيح ابداً فى الصورة؛ فأصبح المسيح غريباً عن التعريف اليومى المشترك للإنسان المسيحى.
و كما هو بمخيلتك، فهذا يضع المؤمنين بالسيد المسيح فى موقف سئ. فنجد انفسنا انه علينا تعريف مصطلحات معروفة قبل التحدث – حتى الى جيراننا – عن ايماننا. وبالصدفة، كلمة، ”كنيسة“ ايضاً جانبها التضاؤل، فلم تعد تعنى ”جسد المسيح“ و لكن مبنى يجتمع فيه اناس ينتمون لطائفة معينة لممارسة شعائرهم و طقوسهم الدينية. فإذا وُجدت هذه البلبلة داخل حدود دولتنا، فليس من عجب ان لم يتفهم الموقف اناس من حضارات اخرى!
وسوء فهم المسيحية هكذا، ادى الى حدث مهول عندما كنت فى تركيا. فكنت مسافرة مع صديقة، ورشح لنا البعض ان نأخذ معنا صور فوتوغرافية لعائلاتنا حتى نريها للناس هناك. صديقتى هذه عندها اربع اطفال وهى تتمتع بإحضار صورهم والتفاخر بهم. و ذهلنا عندما علمنا من المترجم ان من كان معنا من الأتراك ارادوا ان يعرفوا كم والد لهذه الأطفال! واخذت صديقتى تقنعهم بان هناك والد واحد فقط لهذه الأطفال، لكن لازالت هذه الإنطباعات تدوم فى اذهاننا. فإذاً ماذا حدث لرسالة الإنجيل؟ ما هى البشارة المفرحة التى اتى بها يسوع الينا؟
فمن هو يسوع المسيح إذاً؟ رجلُُ شرقى ذو عيون زرقاء؟! فكتابى المقدس يقول انه ولد يهودياً. فلقد كان من الشرق الاوسط فلابد انه كان له نفس مظهرهم. لقد تربى فى بيت يهودى وعاش كل حياته فى إسرائيل. فكيف يكون ديناً تأسس فى الشرق الاوسط، ينسب الى الغربيين؟!
فواحدة من اعظم رسائل المسيح هى ان نعبد ”فى الروح والحق“. فرسالة الخلاص اتت لنا غير مقيدة بمكان، حضارة او منشأ. فلقد وضع الله خطته ان يجذب اليه اولاده من جميع انحاء العالم. فالأرض كلها هى مكان لعبادته. فكل لغة تصلح لتسبيح حمل الله. فهو يعلم اننا نعيش تحت ظل ثقافات مختلفة، و كل ثقافة يمكنها الوصول الى عرش نعمته. فالله فقط هو من يقدر ان يجد طريقاً بسيطاً ونهائياً عن طريقه يعرفه كل الناس – يسوع المسيح.
و الآن يظهر لنا ان الغرب به اكبر نسبة من المؤمنين المسيحيين. ولكن من الواضح انه لم يكن كذلك، ولن يكن كذلك فى المستقبل. فيصعب علينا ان ندرك تاريخاً ونحن نعيش فى ايامنا هذه. فإنتقال المسيحية من الشرق الاوسط الى الغرب هو فقط جزء من خطة رسمها الله فى ذهنه. فالعديد من الافريقيين شهدوا لإسم الرب يسوع، وكنيسة المسيح تزدهر يوماً بعد يوم فى آسيا (كوريا الآن ترسل مبشرين الى الولايات المتحدة!). وحتى لو تغيرت صورة المسيح ليكون اسود او بعيون لوزية – ستبقى رسالة الإنجيل واحدة:
”لأنه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له حياة ابدية“ {يوحنا 3: 16}.