القسم الثاني
الكتاب المقدس في نور القرآن والحديث
الفصل الأول
ما يقوله القرآن عن الكتاب المقدس
كلما اقتبس مسيحيٌّ آية من الكتاب المقدس ليبرهن ما يؤمن به لمسلم، يبادره المسلم فوراً بالاتّهام (ولكنكم حرَّفتم كتابكم) ويقتبس المسلم آيات يقول إنها تبرهن اتّهامه ولذلك أردتُ أن أخصصهـذا الفصل لبحث ما يقوله القرآن عن توراة موسى وزبور (مزامير) داود وإنجيل المسيح.
وفيهـذا الفصل سندرس الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكتاب المقدس في قرينتها وقد تكون القرينة آية أو أكثر أو بعض آية وقد بدأ المسلمون يرون ضرورة دراسة الآية أو الكلمة في قرينتها، ففي مقدمة كتاب (إله العدل) يقول الدكتور داود رَهْبَر 1 (وكان رئيس كرسي الدراسات الأوردية والباكستانية في جامعة أنقرة بتركيا من 1956-1959): (لو أننا أردنا أن نبني أساساً للفقه الإسلامي والتفسير القرآني، فيجب أن يكون الأساس الأول لهذه الدراسة معرفة ما فهمه الرسول وصحابته داخل قرينتهم التاريخية) ثم مضى يقول إن مفسري القرآن لم يربطوا ولم يقارنوا الآيات الواردة عن موضوع واحد قبل أن يكتبوا تفاسيرهم وأعطى مثلاً من تفسير البيضاوي لعبارة (الأرض والسماء) حيث قال البيضاوي إن الأرض جاءت أولاً، لأنك عندما تتسلّق تصعد من الأسفل إلى الأعلى ويمضي د رهبر فيقول: (ولكن لما درستُ الآيات التي أوردت ذكر السماء قبل الأرض وجدت أن البيضاوي يناقض نفسه، وكأنه نسي ما سبق أن قاله!) ثم قال د رهبر إنه أول مسلم يقوم بدراسة مترابطة للقرآن، ويعقّب: (ما جدوى أن تدرس عبارتين أو ثلاثاً عن موضوع، بينماهـناك ثلاث مئة عبارة أخرى في نفس الموضوع متروكة بغير دراسة؟ على علماء المسلمين أن يُحسّنوا تحليلهم وتنظيمهم ليجمعوا كل ما جاء بالقرآن عن نفس الموضوع وقد قمت بهذاهـنا للمرة الأولى) 2.
وفيهـذا الفصل سأبدأ بالآيات القرآنية التي تتحدث عن التوراة في زمن المسيح، ثم أذكر الآيات التي تحدثت عن التوراة والإنجيل في زمن محمد، وأختم بالآيات التي تتحدث عن التحريف:
أ. آيات قرآنية تشهد لصحة التوراة زمن المسيح.
عام 7 للهجرة (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً). سورة مريم 19:12
عام 2 أو 3هـ الملاك جبرائيل يحدّث العذراء مريم عن المسيح قبل ميلاده فيقول (وَيُعَلِّمُهُ (الله) الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) (سورة آل عِمران 3:48)
عام 7هـ (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ... صَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ). (سورة التحريم 66:12
عام 2 أو 3هـ (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم... وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) (سورة آل عمران 3:49 و50)
عام 3هـ (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاة) (سورة الصف 61:6)
عام 10هـ (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِهـُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (سورة المائدة 5:46)
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) (سورة المائدة 110)
فبحسبهـذه الآيات يؤمر يحيى (يوحنا المعمدان) أن يأخذ الكتاب (أ - 1) وصدّقت مريم بكلمات ربها وكتبه (أ - 3) ووعد الله من قبل مولد المسيح أن يعلّمه التوراة (أ - 2) وصدّق المسيح على التوراة ( أ - 4 و5) وفي زمن محمد يشهد الله أنه علّم المسيح التوراة (أ - 6 و7) وهذا يعني أن التوراة كانت موجودة وصحيحة في زمن المسيح ولما كانت مريم قد آمنت بكتب ربها، فلا بد أن أسفار الأنبياء الذين بعثهم الله لليهود كانت وقتها موجودة وصحيحة.
ب. آيات قرآنية تشهد أن مسيحيين أتقياء عاشوا في الفترة ما بين المسيح ومحمد.
عام 10هـ (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ... وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ... وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ (تلاميذ المسيح) أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي (المسيح) قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (مستسلمون)) (سورة المائدة 5:110 و111)
عام 2 أو3هـ (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (مستسلمون) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ (المسيح)) (سورة آل عمران 3:52 و53)
عام 3هـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (سورة الصف 61:14)
عام 8هـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (سورة الحديد 57:26 و27 قارن بما جاء في سورة المائدة 82).
ونتعلم منهـذه الآية أنه بالرغم من أن الرهبانية لم يكتبها الله عليهم، إلا أنهم مؤمنون أتقياء، آتاهم الله أجرهم وقد بدأ نظام الرهبنة في القرن الرابع الميلادي، ولو أنه كانهـناك رهبان متوحدون في القرن الثالث وقد نظم القديس أنطونيوس الرهبنة في مصر عام 305م، وبدأت الرهبنة في شبه جزيرة سيناء في نفس الوقت تقريباً.
آية مكية (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدا وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مَائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً). سورة الكهف 18:10 و25
قال عبد الله يوسف علي (في ترجمته للقرآن إلى الإنكليزية تعليقاً على سورة الكهف): إنهـذه قصة سبعة شبان مسيحيين من أفسسهـربوا من الاضطهاد واختبأوا في كهف، فلم يستيقظوا إلا بعد 309 سنة وقال إن تاريخ قصتهم يعود إلى ما بين عام 440 و450م، وقال إن الخليفة الواثق (842-846) أرسل بعثة تبحث عن مكان اختبائهم ويذكر حميد الله (في ترجمته للقرآن إلى الفرنسية تعليقاً على سورة أهل الكهف) احتمال صحة ما ذكره عبد الله يوسف علي، ولكنه يرجّح أن القصة تعود إلى ما قبل العصر المسيحي، ولو أن الأستاذ توفيق الحكيم في قصته (أهل الكهف) يقول: إنهم مسيحيون.
العصر المكي الأول (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْهـُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (سورة البروج 85:4-9)
ويقول حميد الله (في ترجمته للقرآن إلى الفرنسية) إنهـذه الآيات تشير إلى ذي نواس، ملك اليمن اليهودي الذي اضطهد المسيحيين في القرن السادس الميلادي وأحرق أحياء منهم من رفضوا اعتناق اليهودية، وقد بنى الخليفة عمر جامعاً كبيراً باليمن تكريماً لهم ويقدم عبد الله يوسف علي الفكرة نفسها ضمن ثلاثة احتمالات لتوضيح القصة.
فالاقتباسات الثلاثة الأولى تقول إن الله أوحى لأتباع المسيح أن يتبعوه، فصاروا أنصار الله، ويقول الاقتباس الرابع إنه قد بقي منهم كثيرون أمناء للحق أثناء فترة الرهبانية التي بدأت في القرن الرابع الميلادي ويقول الاقتباس الخامس إنه كانهـناك مسيحيون مخلصون لله والحق في أفسس (تركيا الحالية) عام 450م وفي اليمن في القرن السادس م، وقد قبلوا أن يُحرَقوا في سبيل إيمانهم ولا شك أن مؤمنين مخلصين في تركيا واليمن لا بد تركوا نسخاً من كتبهم ووثائقهم المقدسة ولو كان ما عندهم مختلفاً عما عندنا اليوم لاكتشفناه، كما جاء في الاقتباس الخامس.
ج. آيات قرآنية تشهد أن نسخاً من التوراة والإنجيل كانت موجودة وصحيحة زمن محمد.
من العهد المكي الأول (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلاَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (التوراة والإنجيل)) (سورة سبأ 34:31)
من العهد المكي الأول (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِهـُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (التوراة والإنجيل)) (سورة فاطر 35:31)
من العهد المكي المتأخر (وَمَا كَانَهـَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ). سورة يونس 10:37
من العهد المكي المتأخر (مَا كَانَ (القرآن) حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (سورة يوسف 12:111)
من العهد المكي المتأخر (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ) (سورة الأنعام 6:154-157)
من العهد المكي المتأخر ( أَلَمْ تَرَ (يا محمد) إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلوُن فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ) (سورة غافر 40:69-71)
من العهد المكي المتأخر (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ). سورة الأحقاف 46:12
(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (التوراة) يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (سورة الأحقاف 46:29 و30)
عام 2هـ (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ (التوراة)) (سورة البقرة 2:91)
عام 2 أو 3هـ (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُهـُدىً لِلنَّاسِ) (سورة آل عمران 3:3 و4)
عام 5 أو 6هـ (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ (من اليهود) وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ (يا محمد) وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ... إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعَقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً) (سورة النساء 4:162 و163)
عام 9هـ (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ؟) (سورة التوبة 9:111)
عام 10هـ (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ (يا محمد) الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ (التوراة والإنجيل) وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (سورة المائدة 5:48)
وهذه الاقتباسات تبرهن أن التوراة والإنجيل كانا صحيحين وموجودين زمن محمد، والقرآن يفصّل كتب موسى (ج - 7) لأن أهل مكة لم يفهموا كتب طائفتين من قبلهم، وكانوا عن دراستهم غافلين، ولو أنهم درسوا تلك الكتب لاهتدوا (ج - 5) فالقرآن يشرح التوراة والإنجيل اللذين لا ريب فيهما (ج - 3) كما أن القرآن يحافظ ويهيمن عليهما (ج - 13).
وقال المكيون إنهم لن يؤمنوا بالقرآن ولا بما سبقه (ج - 1) وقال بعض اليهود إنهم لن يؤمنوا إلا بكتابهم مع أن القرآن مصدّق لما معهم (ج - 9) وسيعاقب الله الذين يرفضون القرآن وما سبقه من كتب (ج - 6) أما الراسخون في العلم من اليهود فيؤمنون بالقرآن وبالتوراة (ج - 11) كما أن الجن يؤمنون بالتوراة والقرآن (ج - 8).
وتقول سورة التوبة (وهي آخر ما أُنزل على محمد) إن وعد الله حق في التوراة والإنجيل والقرآن (ج - 12).
ولا بد أن القارئ لاحظ تكرار التعبير (بين يديه) وهو تعبير يعني (في محضره) أو (في حوزته) أو (متوافر له) فقد جاء في سورة سبأ 12 أن الجن عملوا (بين يديه) بمعنى (أمامه) أو (تحت بصره وإشرافه).
إذاً جاء القرآن ليؤيد ما سبقه من التوراة والإنجيل وليشهد له وهذا يؤكد وجود نسخٍ صحيحة منهما بين يدي محمد.
د. آيات قرآنية تشهد أن محمداً اقتبس واستشهد بالتوراة وبالإنجيل.
من العهد المكي المبكر (أَفَرَأَيْتَ (يا محمد) الَّذِي تَوَلّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (سورة النجم 53:33-38)
من العهد المكي الوسيط (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِّيٍ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أَوَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (سورة الشعراء 26:192-197)
من العهد المكي الوسيط (وَقَالُوا لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى) (سورة طه 20:133) ويقول البيضاوي: إن الصحف الأولىهـي التوراة والإنجيل وكل الكتب السماوية.
من العهد المكي الوسيط (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (سورة الأنبياء 21:7)
من العهد المكي الوسيط (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (سورة الأنبياء 21:105)
وهذه الآية اقتباس من مزمور 37:29 (الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الْأَبَدِ) فإذا تأملنا سورة الأنبياء 7 و105 لوجدنا أن الله في زمن محمد يُملي من سفر المزامير.
من العهد المكي المتأخر (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ؟) سورة الزخرف 43:44 و45
وقال البيضاوي والجلالان في تفسير (واسأل مَن أرسلنا من قبلك): أي اسأل من يعرفون كتبهم وعقائدهم وهذا يعني أن تلك الكتب والعقائد كانت معروفة زمن محمد.
من العهد المكي المتأخر (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ). سورة يونس 10:94
من العهد المكي المتأخر (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) (سورة النحل 16:43 و44)
من العهد المكي المتأخر (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ (يا محمد) بَنِي إِسْرَائِيلَ) (سورة الإسراء 17:101)
(قُلْ آمِنُوا بِهِ (بالقرآن) أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا (يا أهل مكة) إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً... وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً). الإسراء 17:107 و109
من العهد المكي المتأخر (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً (يا محمد) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (سورة الرعد13: 43)
من العهد المكي المتأخر (رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَهـُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) (سورة الأعراف 7:156 و157)
من العهد المكي المتأخر (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (سورة الأعراف 7:159)
من العهد المكي المتأخر ( وَقَطَّعْنَاهُمْ (اليهود) فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ... أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ... وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (سورة الأعراف 7:168-170)
عام 2هـ (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) (سورة البقرة 2:113)
عام 2 أو 3هـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (سورة آل عِمران 3:23)
ويقول المفسرون: إن سبب نزولهـذه الآيةهـو أن جدالاً حدث بين اليهود ومحمد بسبب تحكيمهم له، فطلب منهم الرجوع إلى كتابهم.
(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (سورة آل عمران 3:79)
(كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلّاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَهـُمُ الظَّالِمُونَ) (سورة آل عمران 3:93 و94)
عام 5 أو 6هـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً) (سورة النساء 4:60)
عام 6هـ (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَازَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الّزُرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (سورة الفتح 48:29).
عام 10هـ (وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ (اليهود) وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ) (سورة المائدة 5:43)
عام 10هـ (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَهـُمُ الظَّالِمُونَ) (سورة المائدة 5:45)
والقرآن يقتبس هـنا من شريعة موسى كما جاءت في الخروج 21:23-25 ويحذر القرآن يهود المدينة من عدم الحكم بما أنزل الله في التوراة.
عام 10هـ (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَهـُمُ الْفَاسِقُونَ) (سورة المائدة 5:47).
عام 10هـ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ... قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (سورة المائدة 5:65-68)
والآيات التي اقتبسناها أعلاه شهادةٌ لوجود التوراة والإنجيل زمن محمد، يعرفها المسلمون والمسيحيون واليهود والوثنيون على السواء فالذي تولى من غير المؤمنين يعرف صحف موسى وإبرهيم (د - 1) وقد أتتهم بيّنة ما في الصحف الأولى (د - 3) ومحمد يستشهد بمن عنده علم الكتاب (د - 11) والقرآن في زُبُر (كتب) الأولين، يعلمه علماء بني إسرائيل (د - 2) ومن الذين جاءتهم المعرفة السابقة قبل الإيمان به، (د - 10 و14) والمسيحيون واليهود معاً يقرأون الكتب ويدرسونها (د - 15 و17) وهناك يهود صالحون يهتدون بالحق ويحكمون به (د - 13) وكذلك بين المسيحيين (د - 24) ويُطالب القرآن أهل مكة أن يسألوا أهل الكتاب إن كانوا لا يعلمون (د - 4 و8) كما يُطالب محمداً أن يسأل الرسل الذين سبقوه، بمعنى أن يسأل من يعرفون عقيدتهم وكتبهم (د - 6) ويُطالبه أن يسأل الذين يقرأون الكتاب من قبله إن كان في شك (د - 7) وأن يسأل بني إسرائيل عن معجزات موسى التسع (د - 9) وعلى اليهود أن يحكموا بما جاء بالتوراة (د - 22) ويقتبس القرآن من المزامير (الزبور) (د - 5) ويقول (عندهم في التوراة والإنجيل) (د - 12) وفي آخر سورة نزلت على محمد، وهي سورة المائدة، يقول لليهود وللمسيحيين إنهم ليسوا على شيء حتي يقيموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم (د - 24).
جاء في أسباب نزول 68 من سورة المائدة (لجلال الدين السيوطي): روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال:
(جاء رافع وسلام بن مشكم ومالك ابن الصيف، فقالوا: يا محمد، ألستَ تزعم أنك على ملّة إبرهيم ودينه، وتؤمن بما عندنا؟
قال: بلى، ولكنكم أحدثتم وجحدتم بما فيها، وكتمتم ما أُمِرتم أن تبينوه للناس.
قالوا: فإنّا نأخذ بما في أيدينا، فإنّا على الهدى والحق، فأنزل الله (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أُنزِل إليكم من ربكم)
ويدلّ هـذا الحديث على أن محمداً آمن بالتوراة كما كانت بين يدي يهود المدينة عام 10هـ، كما أن مسلمي القرنين الهجريين الأول والثاني عرفوا بوجود توراة وإنجيل صحيحين بين أيديهم في شبه الجزيرة العربية.
وقد يقول مسلمو اليوم إن التوراة والإنجيل الموجودين بين يدي يهود ونصارى القرنين الهجريين الأول والثاني مختلفان عماهـو موجود اليوم ونحن نسألهم: أين ذهبت النسخ الصحيحة؟ لا بد أن المسلمين الصالحين يحتفظون بنسخة سليمة في أكثر من مكتبة من مكتبات العالم الإسلامي، ولو لهدف أن يعاونوا اليهود والمسيحيين أن يقيموا التوراة والإنجيل! ولكن المسلمين لم يحتفظوا بشيء من التوراة والإنجيل والحقيقة أنهـناك توراة واحدة بلا تغيير بين يدي اليهود والمسيحيين، وأنهـناك إنجيلاً واحداً صحيحاً بين يدي المسيحيين.
هـ. آيات قرآنية تقول إن التوراة والإنجيل صحيحان، ولو أنها لا تؤكد بوضوح زمن هـذه الصحّة.
في بدءهـذا الفصل ذكرتُ أننا يجب أن ندرس كل الآيات التي جاءت في موضوعٍ ما قبل أن نصل إلى نتيجة مؤكدة في ذلك الموضوع وهناك 55 آية قرآنية أخرى تتحدث عن التوراة والإنجيل، ولو أنها لا تؤكد وجودهـذه الكتب في زمن محمد، لذلك أوردتُ شواهدها فقط، وأورد آية واحدة منهاهـي سورة النساء 4:136 (وتعود إلى عام 5 أو 6هـ): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ (التوراة) الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ).
ولا يظهر من هـذه الآية إن كان محمد يأمر المسلمين أن يؤمنوا بالتوراة الموجودة في عصره، أو أن يؤمنوا بالتوراة التي أعطاها الله لموسى ولكن اليهود حرَّفوها! وإليك شواهد تلك الآيات بحسب ترتيب نزولها:
سورة المدَّثر 31 والأعلى 18 والفرقان 35 وفاطر 25 وسبإ 23 و24 والقمر 43 والصافات 114-117 ومريم 28 و29 والأنبياء 48 والعنكبوت 27 و46 و47 والسجدة 23 وغافر 53-55 وفصلت 45 والشورى 15 والجاثية 16 و17 و28 و29 والأحقاف 10 وهود 16 و17 والقصص 43 و48 و49 و52 و53 والمؤمنون 49 والرعد 36 والإسراء 2 و4-7 و55 والأنعام 20 و114 و124 والبيّنة 1 والبقرة 1-5 و53 و87 و121 و136 و144 و145 و176 و213 و285 وآل عمران 65 و81 و84 و99 و119 و183 و184 و187 والجمعة 5 والنساء 51 و54 و131 و136 و150-153 و171 والحديد 25 والمائدة 62 و85 و86
وللقارئ أن يطالع هـذه الآيات، ويأخذ كلها أو بعضها للمناقشة، إن رأى أنهـذا يغيّر النتيجة التي وصلنا إليها.
و. آيات قرآنية تبيّن أن المسيحيين كانوا مختلفين، وكانوا يحاربون بعضهم بعضاً.
من العهد المكي المتأخر (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (سورة الشورى 42:13 و14)
من العهد المدني المبكر (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (سورة البينة 98:4)
عام 2هـ (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (سورة البقرة 2:253)
عام 2 أو 3هـ (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) (سورة آل عمران 3:19)
عام 10هـ (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (سورة المائدة 5:14 و15).
وتقول هـذه الآيات إن المسيحيين تفرَّقوا (و - 1 و2) بغياً منهم (و - 2 و4) واختلفوا وأوقع الله العداوة والبغضاء بينهم (و - 5) فاقتتلوا (و - 3) ونسوا ميثاقهم وأخفوا من كتابهم (و - 5) وصاروا في شك منه مريب (و - 1) ويتفق التاريخ مع القرآن فيهـذا، فقد أعلنت الكنيستان الرومانية والبيزنطية أن الكنيسة المصرية قد انحرفت عن الحق، فحرمتهما الكنيسة المصرية بدورها! ولكن رغمهـذا لم يغيّر أي فريق من كتابهم شيئاً ولم يكونوا مؤتلفين متوافقين ليتفقوا معاً على أي تغيير يُجرونه في كتابهم لم يغيّر الكافرون منهم، وبالطبع فإن المؤمنين منهم لن يغيّروا منه شيئاً.
ز. آيات قرآنية تقول إن اليهود رفضوا القرآن وحاولوا تغييره، وإنهم أخفوا آيات من كتابهم ولووا تفسيرها.
من العهد المكي المتأخر (أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ (الأنبياء من نوح إلى المسيح المذكورين في الآيات السابقة 84-86) فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَاهـَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَهـَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْهـُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ... وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (التوراة) وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) (سورة الأنعام 6:89-92)
من العهد المكي المتأخر (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ (اختلف اليهود) وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (سورةهـود 11:110 - الفكرة نفسها موجودة في سورة يونس 10:93)
عام 2هـ (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ... آمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ (التوراة) وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟) (سورة البقرة 2:40-44)
عام 2هـ (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ) (سورة البقرة 2:85)
(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (التوراة) وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ... بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) (سورة البقرة 2:89 و90)
(مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (التوراة) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (التوراة) نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (سورة البقرة 2:97 و101)
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُواهـُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ؟) (سورة البقرة 2:140)
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَريقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (سورة البقرة 2:146)
(إِنَّ (اليهود) الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) (سورة البقرة 2:159)
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) (سورة البقرة 2:174)
عام 2 أو 3هـ (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟) سورة آل عمران 3:69-71
(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً) (سورة آل عمران 3:75)
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (سورة آل عمران 3:199)
فيهـذه الآيات اتهامات كثيرة لليهود، فقد اختلفوا في التوراة وكانوا في شك منها مريب (ز - 2) وهم يكشفون بعض الآيات ويخفون الكثير مما يعلمون (ز - 1) ولكن خطأهم الأكبرهـو موقفهم الرافض للقرآن (ز - 3 و4) وهم يكفرون بآيات الله (ز - 11) يبيعونها ويشترون بها ثمناً قليلاً (ز - 3 و10 و13) وهم يخفون شهادة كتبهم للقرآن (ز - 3 و7 و8 و9 و10 و11) ويلبسون حق القرآن بالباطل (ز - 3 و11) ويقبلون من القرآن ما يروق لهم ويرفضون البعض الآخر (ز - 4) أو ينبذونه وراء ظهورهم (ز - 6)
ولكن القرآن يشهد أن التوراة موجودة عند اليهود (ز - 3 و5 و6) وهو مصدّق لها (ز - 1 و6) والتوراة شهادة عندهم من الله (ز - 7) وهم يشهدون لها (ز - 11) وعندهم العلم (ز - 8 و11) وهم يتلون كتبهم ويدرسونها (ز - 3)
وأفضل تلخيص لما ذكرناههـو قول سورة البقرة 2:40-44 (الذي أوردناه في ز - 3) (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ... آمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ (التوراة) وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ؟)
هنا يشهد القرآن لصحة التوراة التي بين يدي اليهود يتلونها وكان اليهود يأمرون الناس بالبر ولكنهم لا يمارسونه لأنهم يُلبِسون الحق بالباطل ويكتمون الحق ولو أن من أهل الكتاب من يؤمن بالتوراة والإنجيل، والأمين الذي إن تأمنْهُ بقنطار يُؤدِّه لك (سورة آل عمران 75)
ولكن في كلهـذه الآيات لا توجد ولو آية واحدة تقول إنه حتى اليهود غير المؤمنين حرَّفوا كتبهم ولن يقبل المسلمون قول من قد يقول إن اليهود الذين أسلموا مثل عبد الله بن سلام ومخيرق قد حرَّفوا التوراة.
ح. آيات قرآنية تتحدث عن التحريف.
هناك أربع آيات قرآنية تقول إن اليهود حرَّفوا الكلم، وهناك آية واحدة تقول إنهم يلوون ألسنتهم وهم يقرأون كتابهم وسنتأمل الآنهـذه الآيات في قرائنها:
عام 2 أو 3هـ (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَاهـُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَهـُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَاهـُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (سورة آل عمران 3:78)
وهذا يعني أن اليهود لووا نطق الكلمات وهم يقرأونها، ليفهم السامعون معنى يختلف عن المعنى الأصلي ولكن الآية تقول إن ذلك ماهـو من الكتاب، وماهـو من عند الله.
عام 10هـ (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً... فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (سورة المائدة 5:12 و13)
فهؤلاء اليهود أصحاب القلوب القاسية نقضوا الميثاق وحرَّفوا الكلِم عن مواضعه، ونسوا عمداً جزءاً من شريعتهم وهذا يعني أنهم كانوا يُخفون بعض الآيات، ويقرأون البعض الآخر منفصلاً عن قرينته، كما فعلوا مع (آية الرجم) وهذا ما يُسمّى (التحريف المعنوي) أي تحريف المعنى، وهو يختلف عن (التحريف اللفظي) الذي يعني تغيير الألفاظ ولكن اليهود لم يغيروا شيئاً من النص، كما اتَّضح هـذا لنا في ج ود وه وح - 6 التي سنذكرها أدناه.
وذكر القرآن (قليلاً منهم) كانوا صالحين، لم يحرفوا الكلم عن مواضعه، ولم ينسوا ما ذُكِّروا به من كلمات التوراة.
عام 2 أو 3هـ (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (سورة آل عمران 3:113 و114)
أما الآيات الثلاث التالية، فأعتقد أن القرآن يتَّهم فيها بعض اليهود، بأنهم حرَّفوا كلمات محمد وهو يتلو القرآن ويشرحه، وليس بتحريف التوراة.
عام 2هـ (أَفَتَطْمَعُونَ (أيها المؤمنون) أَن يُؤْمِنُوا (اليهود) لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَوَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْهـُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَهـَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (سورة البقرة 2:75-79)
فهناك فريق من اليهود (وليسوا كلهم) سمعوا القرآن وقالوا للمسلمين (آمنا) ثم حرّفوا كلام القرآن بعد أن عقلوه وعندما اجتمعوا ببعضهم وبخ أحدهم الآخر قائلين: لماذا تحدثونهم بكلمات التوراة، فإنهم سيستخدمونها ضدكم؟
عام 5 أو 6هـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيَّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً مِنَ الَّذِينَهـَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بَأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) (سورة النساء 4:44-47)
فالاتهام هـنا موجَّهٌ ضد بعض اليهود الذين يحرّفون الكلِم ومن الأمثلة المعطاة نرى أنهم كانوا يحرفون كلام محمد ويوضح عبد الله يوسف علي (مترجم القرآن للإنكليزية) ذلك فيقول في تفسيره لهذه الآيات:
(كان من مكر اليهود أنهم يلوون الكلمات والتعبيرات ليسخروا من جدية تعاليم الإسلام، فبدل أن يقولوا (سمعنا وأطعنا) يقولون بصوت عال (سمعنا) ثم بصوت خفيض (وعصينا) وكان يجب أن يقولوا باحترام (نسمع) ولكنهم يقولونهـامسين في سخرية (غير مُسمَع) ومع أنهم ادّعوا أنهم يحترمون المعلم إلا أنهم استخدموا كلمة مبهمة ظاهرها طيب، بنية سيئة فكلمة (راعِنا) عربية تقدم الاحترام، ولكن بليّ اللسان في نطقها يصير معناها سيئاً وهو (خُذنا لمحل الرعي) أو في العبرية (أنت السيء فينا)
عام 10هـ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَهـَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْهـَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا... فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ (اليهود يا محمد) وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَالْمُؤْمِنِينَ .
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَاهـُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِين َهـَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ (أيها اليهود) وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَهـُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَهـُمُ الظَّالِمُونَ.
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِهـُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَهـُمُ الْفَاسِقُونَ.
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ (يا محمد)، مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) (سورة المائدة 5:41-48)
وتقدم هـذه الآيات الفكرة نفسها، فبعض اليهود سمّاعون للكذب، يسمعون من كاذبين عن محمد ما لم يقُله، ويحرّفون الكلِم من بعد مواضعه، ويقولون لبعضهم: إن قال لكم محمد كذا وكذا فاقبلوه، واحذروا منه غير ذلك فلا حديثهـنا عن التوراة، بل المقصود أنهم يحرفون ما يقوله محمد أو يرفضونه وحتى لو كنتُ مخطئاً في تفسيريهـذا، فإن التحريفهـنا تحريف المعنى وليس تحريف الألفاظ.
والآيات المقتبسة في قسم (ح) تعلّمنا الحقائق التالية:
لم يؤمن بعض اليهود، أو كثيرون منهم، أو أغلبهم ولكن البعض آمن بالله وأرادوا أن يطيعوه تعالى.
يصدّق القرآن على ما جاء بالتوراة التي بين يدي اليهود.
يقول القرآن (عندهم التوراة، فيها حكم الله).
(النفس بالنفس والعين بالعين) مقتبسة من سفر الخروج بالتوراة كقصاص مقبول، إلا من تنازل عنه وتصدّق به.
مطلوب من أهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه.
وتعلن (آيات التحريف) أنه في زمن محمد كانهـناك أهل كتاب صالحون معهم كتبهم يقرأونها ويطيعونها فما بين أيديهم من التوراة والإنجيل صحيح.
الخلاصة
دراستنا للآيات القرآنية السالفة في قرينتها أكّدت لنا النتائج التالية:
آيات قسم أ: كانت التوراة موجودة زمن يوحنا المعمدان (يحيى)، وزمن العذراء مريم والمسيح وتلاميذه، وذلك في القرن المسيحي الأول.
آيات قسم ب: يصدّق القرآن على وجود مؤمنين مسيحيين حقيقيين في بدء العهد النُّسكي (300-350م) و لا بد أنهـؤلاء الصالحين لم يحرّفوا كتابهم ولو فعلوا لأدانهم القرآن.
آيات قسم ج: يصدّق القرآن على الكتب السابقة له، والتي بين يديه، ويقول إنهـذه الكتب مع أهل مكة، ولكنهم يحتاجون للقرآن لأنهم لا يفهمون لغة الكتب السابقة.
آيات قسم د: يشير القرآن إلى التوراة والإنجيل بالتقدير الكامل، فيقتبس منهما، ويأمر اليهود أن يجيئوا بالتوراة ليحكم بينهم بحسب ما جاء فيها، ويأمرهم أن يقرأوا التوراة والإنجيل التي بين أيديهم.
آيات قسم هـ: تَقاتَل المسيحيون ونسوا جزءاً من كلام الله، ولكن لا يوجد ما يقول إنهم حرّفوا كتابهم.
آيات قسم و، ز: يتَّهم القرآن بعض اليهود بتحريف المعنى، لأنهم أخفوا المكتوب في كتابهم، وتناسوا النصوص التي لم تعجبهم، ورفضوا القرآن وألبسوه بالباطل، وباعوا آيات الله بثمن قليل، وحرّفوا كلمات محمد ولكن لا توجد آية واحدة تقول إنهم (حتى الأشرار منهم) حرّفوا نصوص التوراة وواضح أن الصالحين منهم لن يحرفوا كتبهم، ولن يسمحوا لغيرهم بتحريفها.
ويقول القرآن: (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) (سورة الأنعام 6:34) ويقول أيضاً (لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) (سورة يونس 10:64) وهذا يعني أن الله يضمن سلامة وحيه من عبث الأشرار، ليظل يهدي إلى صراطٍ مستقيم.
وخلاصة ما درسناه من آيات القرآن أن نسخاً من التوراة والإنجيل كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية زمن محمد ولم يحدث أن عالِماً مسلماً جاءنا بنسخة محفوظة في المكتبات الإسلامية من التوراة والإنجيل تخالف ما عندنا اليوم ولم توجد حفريات أركيولوجية أعطت خلاف ما عندنا اليوم.
من هـذا كله يتضح أن الكتب المقدسة الموجودة في مكة زمن محمد مشابهة تماماً للكتب المقدسة التي بين أيدينا اليوم.
1. Daud Rahbar, GOD OF JUSTICE, ej BRILL, IEIDEN, , P xiii
2. نفس المصدرXVI