الفصل الخامس والأربعون
الكنيسة وفرائضها
1 - ما هو هدف المسيحية، وما هي الواسطة المنظورة لإدراك ذلك الهدف؟
* تهدف المسيحية لخلاص الإنسان نفساً وجسداً من حكم الشريعة الإلهية، ومن سلطة الخطية ومحبته لها، فتجعله يحيا حياة مقدسة تنتهي بالحياة الأبدية السماوية. ويتم هذا الخلاص في الأفراد: (أ) بتجديد القلوب وإيقاظ النفس إلى حياة الإيمان والطاعة، ثم (ب) للجماعات وللبشر إجمالاً. ومن نتائجه إصلاح أحوال العالم وإرجاع الحق والعدل والإنصاف إلى حياة البشر عموماً. فهدف المسيحية الأول إصلاح الفرد، وهدفها الثاني إصلاح البشر في كل التصرفات والأعمال والعلاقات. فليست غايته إصلاح أفرادٍ من البشر فقط بل إصلاح البشر بالإجمال، وترجيع العالم في كل أحوال الحياة إلى حال القداسة والغبطة.
وتتم هذه الأهداف بالتجسد وعمل الفداء وفعل الروح القدس في تخصيص فوائد الفداء للمؤمنين. أما الواسطة المنظورة لإجراء كل ذلك فهي كنيسة الله التي أقامها بين البشر لتعلن الإنجيل للناس، وتُحيي الإيمان به في قلوبهم وعقولهم. ومُنشئها هو المسيح، وهي مؤسَّسة عليه وعلى كلمته، وهي تستمدّ حياتها وقدرتها الروحية ونجاحها من روح الله الذي يحل في قلوب أعضائها. وهي مدعوَّة ومعيَّنة من الله لتتمّم هذه الغاية السامية، التي هي مسؤولية كل أعضائها. ولكل واحدٍ من هؤلاء الأعضاء عمل خاص في إتمام الغاية العامة. وقد سُمّي هذا البحث في الكنيسة وفرائضها ونظامها وعلاقتها بالعالم، وعملها الخاص في بنيان ملكوت المسيح بالإكليزيولوجيا (أي الكلام في الكنيسة) وهو قسم من أقسام علم اللاهوت الكبرى.
2 - ما هي الكنيسة؟
* الكنيسة ترجمة كلمة يونانية وردت في العهد الجديد أول الأمر لتشير إلى جمهورٍ من المؤمنين بالمسيح مجتمعين للعبادة والصلاة في مكان واحد. ثم استُعملت بعد زيادة عدد المسيحيين وانتشارهم لثلاثة معان:
(1) الجماعة المحلية، وهم جماعة المؤمنين المجتمعين في مكان واحد للعبادة. ومن أمثال ذلك الكنيسة التي في رومية وكولوسي وبيت فليمون (رو 16: 5 وكو 4: 15 وفل 2).
(2) مجموعة كنائس في منطقة واحدة متجاورة، ككنائس غلاطية أو آسيا (أع 9: 31 و1كو 16: 1، 19). وكان ينشأ مع امتداد المسيحية في مدينة واحدة عدة كنائس، كما في أنطاكية وأفسس وأورشليم، وسُميت كلها «الكنيسة في أنطاكية» أو «في أفسس» أو «في أورشليم» (أع 15: 4).
(3) جميع كنائس العالم، أو جميع المؤمنين الذين تجددوا بالروح القدس، واتخذوا المسيح رباً ومعلماً ومخلصاً وملكاً في كل مكان (1كو 12: 28 وفي 3: 6 وأف 5: 25 و1تي 3: 15). فلما انضمت للمسيحية جموع كثيرة، تألفت الكنيسة من فريقين، أحدهما المؤمنون الحقيقيون، والآخر المعترفون بالإيمان المسيحي اعترافاً خارجياً فقط. فميّزوا بينهما باستعمال تعبير «الكنيسة المنظورة» و«الكنيسة غير المنظورة». وأرادوا بالأولى كل جماعة المعترفين بالمسيح، سواء اقترن اعترافهم بالإيمان القلبي أم لا، وأرادوا بالثانية المتجددين أهل الإيمان الحي والرجاء الوطيد للخلاص في المسيح.
فيصح إطلاق «الكنيسة» على جميع المتجددين في كل زمان ومكان في السماء وعلى الأرض. لكن هناك فرقاً في الأرض بين الجماعة المنظورة والجماعة غير المنظورة. وهناك تمييز بين كل جماعة من هؤلاء قامت بنفسها في مكان واحد أو اعتادت الاجتماع في بناء خاص لإقامة العبادة. وقد دُعيت الكنيسة في العهد الجديد بألقاب متنوعة، منها «بيت روحي» (1بط 2: 5) و«بيت الله» (1تي 3: 15) و«هيكل الله وهيكل الروح القدس» (1كو 3: 15، 16) و«المدينة المقدسة» (رو 21: 2) و«جسم المسيح» (أف 5: 30) و«جسد المسيح» (1كو 12: 27) و«عروس المسيح» (أف 5: 31، 32) و«ملء الذي يملأ الكل في الكل» (أف 1: 23) و«عمود الحق وقاعدته» (1تي 3: 15) و«ملح الأرض، ونور العالم» (مت 5: 13، 14).
وتكوّنت هذه الكنيسة من جماعتين: جماعة يهودية وجماعة مسيحية. وأصل المسيحية هو حلول الروح القدس في قلوب المؤمنين يوم الخمسين بعد صعود المسيح بمدة وجيزة. وهكذا أُقيمت الكنيسة المسيحية.
3 - ما هي حال الكنيسة على الأرض؟
* كنيسة المسيح مقدسة، لكنها ليست خالية من النقائص والشوائب. وتشبه حالتها حالة النفس المتجددة، فإنها مقدسة من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى هي غير كاملة التقديس. وعند الكنيسة وسائط روحية لتغلب العالم ولتُرجع البشر للمسيحية. لكنها ضعيفة ومحاطة بأعداء يطلبون ملاشاتها. وهي تتمم وظيفتها على الأرض بمحاربتها الشديدة للشر، ومناداتها بالحق، وتنظيم الاجتماعات لتنشر التعاليم الإلهية ولتبني التقوى، وبالمشروعات الخيرية التقوية بأمل الغلبة رويداً رويداً على جنود مقاوميها بمساعدة الروح القدس، وحضور المسيح معها، ووعده الثابت بأنها ستفوز بالنصرة الكاملة.
4 - هل لهذه الكنيسة نظام خارجي منظور، وما هو؟
* اشتهرت في تاريخ الكنيسة أربعة مذاهب في النظام الخارجي وهي: النظام التقليدي، والنظام الأسقفي، والنظام الاستقلالي، والنظام النيابي أو الجمهوري.
(1) يؤمن أصحاب المذهب التقليدي أن الكنيسة واحدة، لها نظام واحد منظور، رأسها الأرضي البابا وهو نائب المسيح، وفي النظام الكاثوليكي هو خليفة بطرس الأسقف الأول في روما الذي كان رئيساً على غيره من الرسل. والموظفون في الكنيسة هم البطاركة والأساقفة (أي المطارنة) وسائر رجال الدين. ولهؤلاء حقوق فائقة وسلطان عظيم. ويعتقد التقليديون أن أعضاء الكنيسة الحقيقيين هم فقط ضمن دائرة نظامهم. ويعتقد الإنجيليون أن المسيح لم يَقْصُر ذلك السلطان الفائق على بطرس، لأن باقي الرسل كانوا من أساس الكنيسة (أف 2: 20 ورؤ 21: 14) وكانت مشورة يعقوب مساوية لقول بطرس (أع 15: 7-30) وكذلك وبخ بولس بطرس (غل 2: 11) ودعا بطرس نفسه الشيخ رفيق الشيوخ لا رئيسهم (1بط 5: 1). والادِّعاء بالخلافة الرسولية يخلو من البرهان (انظر فصل 5 س 21).
(2) ويعتقد أهل النظام الأسقفي أن الكنيسة جماعة تحت رئاسة الأساقفة والقسوس والشمامسة. وأساقفتهم هم خلفاء الرسل، ولهم قوات رسولية، وقد تسلسلوا من الرسل بسلسلة الرسامة الكنسيّة. ولا يتوظف عندهم إلا الذي رُسم عن يد أساقفتهم بالرسامة القانونية، ولذلك لا يعتبرون رسامة القسوس في الكنائس الأخرى رسامة حقيقية، بدعوى أنهم لم يُرسموا عن يد الأساقفة في الكنيسة الأسقفية. وهم يؤمنون أن الكنيسة والأساقفة مع سائر القسوس والشمامسة هم أصحاب السلطة، وليس للشعب حقوق في سياسة الكنيسة. وقالوا إن نظامهم مؤسس على الكتاب المقدس. غير أن البراهين على ذلك ليست كافية، لأنه لا يوجد دليل كتابي على أن الأسقف أعظم من القسيس وظيفةً وسلطة، بل يتضح منه أن الأسقف هو القسيس، وأنه لم يكن هناك فرق بينهما في المقام في أزمنة الرسل (قارن أع 20: 17 مع 28 وتي 1: 5 مع 7 و1بط 5: 1 مع 2). وقد ظهر هذا التمييز في القرون التالية للعصر الرسولي، وأخذ ينمو ويزيد. على أن الفكر الأسقفي تغيّر كثيراً، وأخذ الأسقفيون ينظرون إلى نظامهم نظر الاستحسان والتفضيل، دون أن يعتبروه النظام الوحيد للكنيسة، فحسبوا القسوس والمؤمنين الخارجين عن نظامهم إخوةً لهم في المسيح.
(3) ويعتقد أهل النظام الاستقلالي أن كل كنيسة محلية مستقلة في نظامها، قائمة بنفسها، تختار موظفيها أي القسيس والشمامسة لا غير، وتقوم بأمورها، وتُجري تأديباتها بالاستقلال التام. على أن بعض الاستقلاليين استحسنوا المشاركة بين بعض الكنائس في التدبير والمشورة للنظر في المسائل التعليمية والإدارة الكنسيّة. ولو أنهم لا يلتزمون بسلطان أحكام المجمع الذي يلتئم لذلك، ويحسبون قراراته على سبيل النصيحة الأخوية فقط. وقد استحسن هذا النظام جمهور من الإنجيليين لأنهم وجدوه موافقاً لإنماء الكنيسة في الفضائل، وفي ما هو لخيرها. غير أن استقلال كل كنيسة عن غيرها أدَّى أحياناً إلى الفوضى في أمور التعليم والتأديب.
(4) والنظام الرابع هو النيابي أو الجمهوري، وفيه تقوم كل كنيسة محلية بذاتها، ولكن لها علاقة بمجلس كنسي يُدعى «المجمع المشيخي» الذي له بدوره علاقة بمجمع أعلى يدعى «السنودس» وله علاقة بمجمع أعلى يُدعى «المحفل العام» وهو مركز السلطة البشرية الأعلى في الكنيسة. ولأعضاء كل كنيسة حق انتخاب مجلس لها من الشيوخ والشمامسة ينوب عن الكنيسة بالإجمال لإجراء أعمالها والنظر في مصالحها والسؤال عن طهارتها وخيرها. ولهذا المجلس أن ينتخب من أعضائها من ينوب عن تلك الكنيسة مع قسيسها في المجمع المشيخي. وللمجمع حق انتخاب من ينوب عنه في السنودس والمحفل العام. والمجلس في كل كنيسة مع القسيس هم نواب الكنيسة للنظر في إدارتها والسهر على مصالحها وإجراء تأديبها عند الحاجة. وبهذه الواسطة يتسهَّل النظر في المسائل والمشاكل بدون طرحها على كل أعضاء الكنيسة. ولكن ليس للمجلس سلطان إلا لأنه مختار من الكنيسة كلها لينوب عن الأعضاء. وإذا لم يتمم وكالته بأمانة فهو مسؤول أولاً أمام الكنيسة، وثانياً أمام المجمع المشيخي. وهذا النظام يجعل جماعة من الأتقياء والمتقدمين في المعرفة والخبرة وكلاء تحت المسؤولية في أعمال الكنيسة المختلفة، وتدبيرها بما يليق من الاعتناء والحكمة واللطف، ولكن بسلطان مقيَّد يرجع إلى كل أعضاء الكنيسة الذين انتُخبوا ذلك المجلس نواباً لهم في هذه الأمور. وعلى فرض أن المجلس في كنيسة ما لم يُجرِ الحق في أمر التأديب أو فض المشاكل، فلكل من يحسب نفسه مظلوماً حق استئناف دعواه إلى المجمع المشيخي. وكذلك له حق الاستئناف إلى السنودس والمحفل العام، وهكذا يقدر كل فردٍ في الكنيسة أن ينال حقه، فتحفظ الكنيسة طهارتها وحقوقها باستخدام حكمة أهل المعرفة والخبرة والتقوى، بطريقة منظمة في كل ما يتعلق بخيرها وبنيانها. وبذلك نتخلّص من صعوبة أن ينظر كل أعضاء الكنيسة في كل المسائل، كما ننتفع بالسلطة البشرية المسؤولة عن سلامة الكنيسة.
5 - هل في الكنيسة وظائف، وما هي؟
* عيّن المسيح رأس الكنيسة وظائف في كنيسته، بعضها وقتي وبعضها دائم. فالوظيفة الوقتية هي وظيفة الأنبياء والرسل، وليس لها وجود في الكنيسة الآن. والوظائف الدائمة بموجب النظام النيابي المار ذكره ثلاث، وهي ما تقوم بالتعليم والإدارة والخدمة، وهي:
(1) وظيفة التعليم: وللشخص الذي يشغلها أسماء مختلفة، منها قسيس، وأسقف، وشيخ، وناظر، وخادم، وراعٍ، ووكيل سرائر الله (أع 14: 23 و20: 17، 28 و1كو 4: 1 وفي 1:1 و1تي 5: 1، 19 وتي 1: 5 ويع 5: 14 و1بط 5: 1-5). والخدمة المطلوبة منه هي أن يكرز ويعلّم حق الإنجيل لينير الخطاة ويحثّهم على التوبة وبنيان المؤمنين في المعرفة والفضائل، وأن يفسر كتاب الله، ويحامي عن الحق، ويقاوم الضلال. كما أن عليه أيضاً أن يعرف أحوال الرعية ويسهر عليها ويعزيها وينشطها ويرشدها بالأحاديث الشخصية والزيارات الأخوية، ويمارس سرَّي المعمودية والعشاء الرباني، ويقوم بالخدمة المناسبة وقت إجرائهما، ووقت الزواج والمرض والموت.
(2) وظيفة الإدارة: ويُدعى المتوظفون بها «شيوخاً مدبِّرين» و«المدبرين» و«قوات» (1تي 5: 17 ورو 12: 8 و1كو 12: 28).ولهؤلاء الشيوخ المدبرين أن يشاركوا القسوس في سياسة الكنيسة، وأن يراقبوا أحوال الكنيسة الجسدية والروحية، ويفحصوا طالبي الانضمام إلى عضوية الكنيسة ويحكموا بقبولهم أو رفضهم، وأن يُجروا تأديبات الكنيسة عند الحاجة، ويحافظوا على طهارتها على الدوام. وقد استعمل الكتاب ألقاباً أخرى تشير على الأرجح إلى القسوس والمدبرين معاً، ومن ذلك قول الرسول «الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم» وقوله «اذكروا مرشديكم» و«أطيعوا مرشديكم» و«سلموا على جميع مرشديكم» (1تس 5: 12 وعب 13: 7، 17، 24). وفي كل هذه الأماكن يفيد الأصل اليوناني معنى الإدارة مع الإرشاد.
(3) وظيفة الخدمة: ويُدعى الموظفون فيها الشمامسة (1تي 3: 8-13 وفي 1:1 وأع 6: 1-6). وخدمة الشمامسة ليست التعليم ولا الإدارة، بل قبول عطايا الكنيسة وتوزيعها على الفقراء، وعمل الخير، وخدمة الكنيسة في أمور جسدية زمنية كوكلاء على أحوال الكنيسة الخارجية.
وفي هذه الوظائف الثلاث ما يكفي لبنيان الكنيسة وإدارتها وخدمتها. وأهم هذه الوظائف الثلاث الوظيفة التعليمية. ويقوم بها من يدعوه الروح القدس، ومن تنتخبه الكنيسة المحلية، التي توافق بانتخابها له على دعوته الإلهية. وينتخب كل أعضاء الكنيسة المحلية جميع من يقومون بهذه الوظائف. ويبقى كل منهم في وظيفته مدة معينة بحسب نظام تلك الكنيسة، وفي نهايتها إما أن يُنتخب مرة أخرى، أو يُنتخب غيره لتلك الوظيفة. لكن ليس من عادة الكنيسة أن تعيّن مدةً معلومة لخدمة القسيس المُنتخَب. ولكن لا يوجد مانع من ذلك إذا جرى باتفاق الشعب والقسيس. وليس لأحدٍ من موظفي الكنيسة أدنى سلطان خارج عن حقوقه كما حددها كتاب الله، بل يليق بكل موظف في الكنيسة أن يقوم مقام الخادم للمسيح وللكنيسة، كما قال المسيح «أنا بينكم كالذي يخدم» (لو 22: 27).
6 - هل لكنيسة المسيح فرائض مختصة بها؟
* نعم، وتُسمى غالباً وسائط النعمة وهي:
(1) الكتاب المقدس وهو كلمة الله التي تنشرها الكنيسة في العالم، وتكرز بها لتبني القديسين.
(2) المعمودية.
(3) العشاء الرباني.
(4) الصلاة.
7 - ما هو عمل الكلمة؟
* الكتاب المقدس هو مجموع الأسفار المنزلة التي تحوي كلمة الله المكتوبة، وهي الواسطة العظمى التي يستعملها الروح القدس ليعلّم العالم الحق المُعلَن. وهدف الكنيسة الأول هو أن تعلّم البشر كلمة حق الإنجيل، وتحثّهم على قبولها وطاعتها لبنيانهم في الفضائل. وهي لذلك تقيم اجتماعات جمهورية للعبادة بقراءة الكتاب والصلاة والترانيم الروحية والكرازة بالحق. ويرافق هذا كله قوة الروح القدس الذي يجعل الحق فعالاً مؤثراً في قلوب الناس، وحثّاً مقنِعاً للخطاة. وللكرازة بالكلمة فعل عظيم وأهمية كبرى في امتداد ملكوت المسيح على الأرض. وللعبادة والصلاة والترنيم تأثير عظيم في تربية فضائل التقوى.
8 - ما هي أسرار الكنيسة؟
* أسرار الكنيسة اثنان فقط، وهما المعمودية والعشاء الرباني.
9 - ما هي المعمودية؟
* هي سر من أسرار الديانة المسيحية، وُضع في الغسل بالماء باسم الآب والابن والروح القدس، علامةً وختماً لتطعيمنا في المسيح، ونوالنا فوائد عهد النعمة، وتعهُّدنا أن نكون للرب. وقد وضع المسيح هذا السر، ولذلك يجب أن يبقى في كنيسته إلى منتهى العالم، فقد قال «اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس» (مت 28: 19). وقال بطرس «توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح» (أع 2: 38). وقد جرت المعمودية في الكنيسة منذ أيام المسيح إلى يومنا هذا (رو 6: 3-5 وكو 2: 11، 12). وقد أكرم المسيح المعمودية لما عمده يوحنا (مت 3: 13-17). ومعمودية يوحنا كانت للتوبة والتطهير استعداداً لمجيء المسيح (أع 19: 4) وهي تشبه المعمودية المسيحية وتشير إليها، فإنها لم تكن كمعمودية الدخلاء المعروفة عند اليهود (على ما يرجح) بل هي رسمٌ جديد لغاية خاصة، فكانت بناءً على الإيمان بالمسيح الآتي، مقترنة بالتوبة عن الخطية (لو 3:3، 16 وأع 19: 4). وقد عمّد يوحنا المعترفين بإيمانهم بالمخلّص الآتي. ونحن نُعمد المعترفين بإيمانهم بالمخلص الذي قد أتى.
10 - ما هو هدف المعمودية؟
* هدفها إدخال المعمَّد إلى الكنيسة الظاهرة، وهي مع ذلك رمزٌ وختم لعهد النعمة، وإشارةٌ إلى تطعيم المعمَّد في المسيح وتجديده ومغفرة خطاياه وتسليم نفسه لله بيسوع المسيح ليسلك في جِدَّة الحياة. وهذا السر رمز وإشارة وختم. فهو إشارة إلى حقيقة، ولكنه ليس الحقيقة عينها، فالمعمودية علامة خارجية على حقيقة داخلية،هي فعل النعمة الإلهية في قلب المعمَّد الذي سبق المعمودية. فإذا تمَّت النعمة الداخلية يجب أن تتم الحقيقة الخارجية، وهي المعمودية بالماء. ومعمودية الأطفال ومعمودية البالغين سواء في ذلك، لأن كليهما علامة تشير إلى حقيقة جوهرية مستقلة عنها قد جرت قبلها. وتقوم تلك الحقيقة في معمودية الأطفال في أنهم أعضاء حقيقيون في كنيسة المسيح المنظورة بناءً على ولادتهم ضمن حضن الكنيسة من آباء هم أنفسهم من أعضاء الكنيسة المنظورة، وقد اعتمدوا بمعموديتها. وتلك الحقيقة المشار إليها في معمودية البالغين هي تجديدهم بالروح القدس واتحادهم بالمسيح بالإيمان، ودخولهم الكنيسة بإتمامهم الشروط الروحية في ذلك، وتكون المعمودية هي العلامة الخارجية لذلك. فمعمودية الأطفال مؤسّسة على عضويتهم في الكنيسة المنظورة لا على تجديدهم بالولادة الروحية، بينما معمودية البالغين مبنيّة على عضويتهم بواسطة التجديد والإيمان الحي في ذات الكنيسة وإقرارهم بذلك جهاراً (أع 2: 41، 47). وتشير المعمودية إشارة خارجية إلى خمسة أمور، هي: دخول الأطفال والبالغين علانية في الكنيسة، وتجديد البالغين، واتحادهم بالمسيح بالإيمان والتوبة، مع مغفرة الخطايا، والقيامة الروحية (يو 3: 5 وغل 3: 27 وأع 2: 38 ورو 6: 4، 5). وليس للمعمودية فعلٌ في ذاتها في إجراء التجديد.
11 - من له الحق أن يُعمِّد؟
* حق ممارسة المعمودية يختص بالقسوس المعيّنين قانونياً لوظيفتهم في الكنيسة. وتعتبر الكنيسة الإنجيلية المعمودية التي يقوم بها رجال الدين في الكنائس الأخرى صحيحة لا تحتاج إلى التكرار عند انتقال أحدٍ من تلك الكنائس إلى الكنيسة الإنجيلية. على أننا لا نقول إن المعمودية التي جرت على يد مؤمن غير مرتَسم في أحوال تمنع حضور القسيس أو يستحيل فيها الوصول إليه هي باطلة، ولكننا نعتقد أن إجراء ذلك السر على يد القسوس أليق وألزم، إلا إذا وُجد مانع يمنع من ذلك.
12 - مَن له الحق أن يتعمَّد؟
* تحقّ المعمودية للذين يعترفون بإيمانهم بالمسيح وطاعتهم له، ولكل طفلٍ والداه مؤمنان، أو أحدهما، من أعضاء الكنيسة المنظورة عند إقرارهم الصادق بإيمانهم بالمسيح. أما البالغون فينبغي أن يكون إقرارهم قلبياً صادقاً، وتكون سيرتهم متوافقةً مع إقرارهم. وينبغي أن يتضمن ذلك الإقرار الإيمان بالمسيح وقبول تعاليمه، والتصريح بالاتكال عليه مخلِّصاً لهم، والوعد بعدم ارتكاب الخطية عمداً، وبالحياة المستقيمة التقية، وبتربية أولادهم في الديانة المسيحية. ولا يُطلب أقل من ذلك من الوالدين الذين يرغبون في تعميد أطفالهم، فينبغي أن يكونوا من أعضاء الكنيسة المنظورة المعتمدين، ويقروا بإيمانهم الإقرار الصادق، ويعدوا بتربية أولادهم تربية حسنة بموجب تعاليم الكتاب المقدس. ووفقاً لما سبق تجوز معمودية أطفال المؤمنين غير المشتركين في الكنيسة، وإن لم يكونوا قد نالوا العشاء الرباني والعضوية التامة في تلك الكنيسة. فتتم معمودية أطفالهم بناءً ما سبق من الشروط. على أنه يليق بكل والد في مثل هذه الأحوال أن يتقدم في أقرب وقت للدخول في العضوية التامة في الكنيسة.
13 - كيف ينبغي أن تتمّ المعمودية؟
* تتم المعمودية برش الماء على المعمَّد، أو بسكبه، أو بالتغطيس فيه باسم الآب والابن والروح القدس. وليس من الضروري أن تتم بأحد هذه الطرق دون غيرها، فقد اعتادت الكنيسة الإنجيلية رش الماء. على أن قسماً من الإنجيليين يفضِّل التغطيس، بل يحسبه ضرورياً للمعمودية الحقيقية. ويتضح أن التغطيس ليس أمراً ضرورياً في المعمودية الحقيقية مما يأتي:
(1) الكلمة اليونانية للعماد ليست غالباً بمعنى التغطيس بل بمعنى الغسل لأجل التطهير، بدون تعيين الكيفية. فقيل في متى 15: 2 «فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزاً» (قارن مر 7: 1-5 ولو 11: 37-39) فكلمة «يغسلون» في بعض هذه الآيات هي في الأصل اليوناني ذات الكلمة المستعملة للعماد (قارن الأصل اليوناني في مر 7: 4 ولو 11: 38). فقيل في مرقس 7: 4، 8 إن اليهود «اعتادوا غسل كؤوس وأباريق وآنية نحاس وأسِرَّة» والكلمة المترجمة «غسل» هنا هي نفس الكلمة المترجمة «معمودية». ولم تكن تلك «الغسلات» في العهد القديم بالتغطيس غالباً، بل بالسكب، كما جرت العادة في كل مكان. وقيل في عب 9: 10 «وهي قائمة بأطعمة وأشربة وغسلات مختلفة» وهنا كذلك استُعملت تلك الكلمة عينها. فهي ليست خاصة بالتغطيس بل بالغسل، سكباً كان أو تغطيساً. واستُعملت كذلك للإشارة إلى العماد بالروح القدس (مت 3: 11 ومر 1: 8 ولو 3: 16 ويو 1: 33 وأع 1: 5 و11: 16 و1كو 12: 13) وفي هذا المقام لا يصلح معنى التغطيس. وقيل في 1كو 10: 2 إن بني إسرائيل اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر لما عبروا البحر الأحمر، غير أنهم لم يغطسوا في مياه البحر، بل الذين غطسوا كانوا المصريين الذين لم يعتمدوا!
(2) لا يشير ذكر إجراء العماد في العهد الجديد أنه حدث بالتغطيس باعتباره الكيفية الوحيدة، كما اتضح في الأقوال في معمودية يوحنا (مت 3: 5، 6 ومر 1: 5 ولو 3: 6-21). وكذلك معمودية الخصي على يد فيلبس (أع 8: 26-39). ومعمودية نحو ثلاثة آلاف شخص في يوم واحد (أع 2: 38-41). ومعمودية بولس (أع 9: 17 و18، 22: 12-16) ومن ذلك قوله «فقال حنانيا لبولس قم واعتمد واغسل خطاياك» وقوله «وقام بولس واعتمد» فليس في هذا ما يدل ضرورةً على تغطيسه. وأيضاً عماد كرنيليوس (أع 10: 47، 48). وعماد السجان في فيلبي (أع 16: 33) لما «اعتمد في الحال». ولم يكن لزوم في تلك المعموديات لبِركة أو نهر أو ماء يغمر الإنسان. والأرجح أن بِرك الماء لم تكن في البيوت والسجون وفي كل الأماكن التي جرى فيها ما ذُكر من العماد. ولهذا لا يقول الإنجيليون بضرورة التغطيس، ولا يعترضون عليه، بل يحسبون الرش والسكب والتغطيس بمنزلة واحدة.
14 - هل تجوز معمودية الأطفال؟
* نعم بل تجب، ليس لأن الطفل يهلك بدون المعمودية، بل لأنه مولود ضمن الكنيسة المسيحية وعضوٌ من أعضائها، ولأن الرسل عمّدوا بيوتاً بكاملها (أع 16: 15، 33 و1كو 1: 16 وأع 18: 8 و10: 48). وكما كان الأطفال في العهد القديم من أهل الكنيسة وخُتنوا، هكذا في العهد الجديد يُعمَّدون لأنهم من أعضاء الكنيسة بناءً على عضوية والديهم، لأن الكنيسة تضمّ المؤمنين وأولادهم.
15 - هل تتجدد النفس بواسطة المعمودية؟
* لا، لأن التجديد هو عمل الروح القدس داخل نفس الإنسان، لا عمل الماء المرشوش على جسده. ولا ترتبط النعمة والخلاص بهذا السر ارتباطاً غير منفصل حتى لا يتجدد ولا يخلُص أحد بدونه، ولا يُقال إن كل معمَّد لا بد متجدد، فلا يقدر على تطهير القلب إلا الله. وينكر الإنجيليون أن الروح القدس يجدد القلب عند إجراء المعمودية، فإن الإيمان يسبق المعمودية. كما ينكرون أن المعمودية واسطة فعالة في توصيل النعمة الإلهية إلى قلب المعمَّد، ويقولون إن المعمودية علامة خارجية مستقلة تشير إلى النعمة الداخلية وفعلها في القلب، وهي رمز أو ختم لذلك، وإنها مطلوبة عند دخول المعمَّد البالغ جهاراً في الكنيسة. على أنه لا بد من الأدلة الكافية على دخوله روحياً بالتجديد والإيمان إلى شركة تلك الكنيسة قبل دخوله جهاراً بالمعمودية. وإن إهانة هذا السر خطية ومخالفة لأمر الله. ومن الأدلة على بُطل تعليم أن التجديد يتم بالمعمودية ما يأتي:
(1) يعلّم الكتاب في كل موضع أن الشرط الوحيد الضروري للخلاص هو الإيمان بالمسيح الذي يجدد القلب بفعل الروح القدس. وهذا برهان واضح على خطأ التعليم بلزوم المعمودية لأجل التجديد والخلاص. قال المسيح «كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية». وقال يوحنا «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله». وقال المسيح «أنا هو خبز الحياة. من يُقبل إليَّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً». وقال «هذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير». وقال «مَن آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد» (يو 3: 14-16، 36 و6: 35-40 و11: 25، 26). وقال الرسل لكل خاطئٍ صادفوه «آمِن بالرب يسوع المسيح فتخلص» (أع 16: 31). و«كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد وُلد من الله. من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله» (1يو 5: 1، 5). فكل من يؤمن بالابن له حياة أبدية، ومن آمن خلص، سواءٌ كان يهودياً أو يونانياً، عبداً أو حراً، عالِماً أو جاهلاً معتمداً أو غير معتمد.
(2) يُشترط في عماد البالغين الإيمان والتوبة، فلا يمكن أن المعمودية تخلّص المعمَّد، ولا يمكن أن تمنحه الفوائد الروحية، لأن من تاب إلى الله مؤمناً بالمسيح يخلُص، وإن لم يعتمد في الحال. ويلزم من ذلك أن التجديد يجب أن يسبق المعمودية، ولكن المعمودية لا تنشئ ولا تمنح تجديداً.
(3) تعليم التجديد بالمعمودية يناقض روح المسيحية، التي أرادت أن تبطل خطأين ظهرا بين اليهود في زمن المسيح والرسل: (أ) تعليم أن البشر يخلصون بناءً على سيرتهم أو حقهم. و(ب) التعليم بلزوم الطقوس الخارجية وقوتها الذاتية الفائقة الطبيعة. وقد علّم المسيح أن الناس يخلصون بالنظر إليه كما خلص بنو إسرائيل من الموت بالنظر للحية النحاسية. وإن كان أحد لا يولد من الروح القدس لا يقدر أن يدخل ملكوت الله، مهما اجتهد في حفظ الناموس الطقسي. وعلّم الرسل الأمور الآتية: (أ) نحن لا نخلُص بالأعمال بل بالإيمان، ولا ببرنا بل ببر المسيح. (ب) الديانة أمر قلبي، وليست شعائر خارجية. لقد ضلّ اليهود وهم يعلّمون أنه لا يمكن لغير المختون أن يخلُص، ويعلّم التقليديون أنه لا يمكن أن يخلص أحد بدون معمودية، طفلاً كان أو بالغاً. وعلّم اليهود أنه لا يمكن أن يدخل المختون جهنم ما لم يقطعه المسؤولون من جماعة بني إسرائيل، واعتقدوا أن الختان يُقدِّس، وهذا ما رفضه الإنجيل، فقال بولس «لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهودياً، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختاناً، بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي، وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان، الذي مدحه ليس من الناس بل من الله» (رو 2: 28، 29). إذاً المسيحي في الظاهر ليس هو المسيحي، بل المسيحي في الداخل هو المسيحي، والمعمودية التي تخلّص النفس ليست المعمودية بالماء بل معمودية القلب بالروح القدس. واعتبر الرسل تعليم الخلاص بالطقوس وتعليم الخلاص بأعمال البر باطلين.
(4) ذكر الكتاب ما يدل على المشابهة بين فعل الكلمة والأسرار، فقال إن الله يخلّص الناس بالكرازة، وإن الإنجيل هو قوة الله للخلاص وإن الإيمان بالسمع، وإننا نولد بالكلمة ونتقدس في الحق. ولكن ليس كل من سمع الإنجيل يخلُص، إن لم ترافقه قوة تأثيرات الروح القدس الخلاصية المقدسة. فلا يُقال إن المعمودية تُنتج هذه النتائج، أو إن الروح القدس يرافقها على الدوام بتأثيراته الخلاصية بناءً على ما قيل إننا بالمعمودية نتحد بالمسيح، أو إننا نغتسل بها من خطايانا.
(5) كثيرون من المعمَّدين لا ينالون الحياة الأبدية، مع أن المولود من الله لا يمكن أن يهلك. وقول المسيح إن من لا يولد من الروح لا يقدر أن يدخل ملكوت السماء يفيد أن الذين يولدون ثانية يخلصون. وقوله «مَن يؤمن به له حياة أبدية» ولما كان المسيح حياً، فالذين يشتركون في حياته هم أحياءٌ. وعلّم الرسول أن جميع المتجددين يخلصون، وقال إن الذين سبق الله فعيّنهم فهؤلاء دعاهم أيضاً (أي الدعوة الفعالة التي تتضمّن التجديد) والذين دعاهم فهؤلاء برّرهم أيضاً، والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً (رو 8: 30). فالتجديد يحقّق الخلاص. فلو كان الخلاص تابعاً للمعمودية في كل الأحوال، لخلص جميع المعمَّدين. لكن لما كنا لا نرى في كل المعمَّدين علامات الخلاص، لا يكون العماد والخلاص بمعنى واحد، ولا يكون التجديد بالمعمودية.
إن الاختبار يناقض تعليم التجديد بالمعمودية، فالتجديد ولادة جديدة وخليقة جديدة وقيامة من موتٍ روحي إلى حياة روحية، كما أنه تغيير يتم بفعل قوة الله العظيمة، ويشبه التغيير الذي تم في المسيح عندما قام من الموت وارتفع إلى يمين العظمة في الأعالي. فلا يمكن أن يبقى بدون تأثير ظاهر، بل لا بد أن يؤثر في حياة المتجدد الداخلية والخارجية، ويصيّره إنساناً جديداً في المسيح يسوع. على أن كثيرين من المعتمدين لا يُظهِرون دليلاً على تغيير حياتهم، ولا يظهر فرق بينهم وبين غير المعمَّدين. فالقول إن التجديد هو بالمعمودية يحط من شأن التجديد الذي هو هبة الروح القدس الثمينة.
إن حياة الله في النفس ذات قوة، فإذا قلنا إن ميتاً قد قام وليس فيه شيءٌ من علامات الحياة، أو إن شجرة يابسة قد نضرت وهي لا تُخرج ورقاً ولا تثمر ثمراً، فكأننا قلنا إن هذا حي مع أنه ميت، نعم إن البزرة قد يكون فيها مبدأ الحياة ويبقى زماناً طويلاً غير ظاهر، ولكنه يظهر حالما تتم له شروط النمو. وشروط نمو الحياة الروحية في الطفل هي تقدم العقل ومعرفة الحق، فإذا تمت له فلا بد أن تنمو فيه بزرة الحياة الروحية بفعل الروح القدس الذي له حياة في ذاته، ويمنح الحياة لجميع الذين يسكن فيهم. فتعليم التجديد بالمعمودية يناقضه الواقع لأن المعتمدين اعتماداً جسدياً فقط يبقون بدون تغيير في قلوبهم وحياتهم.
وقد استشهد أصحاب تعليم «التجديد بالمعمودية» على آيتين هما قول المسيح «إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله» (يو 3: 5). وقول الرسول «لا بأعمال في برٍ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس» (تي 3: 5). وقول المسيح (على رأيهم) يعني أن الولادة الروحية تتم بالمعمودية. على أن تلك الآية لا تشير بالضرورة إلى المعمودية، بل الأرجح أن المسيح لم يشر بها إلى المعمودية بل إلى التجديد. ومن خواص تلك الولادة الروحية التطهير، وقد استُعمل الماء للتطهير الطقسي في العهد القديم، وهو واسطة الاغتسال في كل زمان ومكان، فلذلك استعمله المسيح ليوضح لزوم التطهير بالولادة الروحية للدخول في ملكوت الله. وهذا مثل قول يوحنا المعمدان «أنا أعمدكم بماءٍ للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار» (مت 3: 11). وبالطبع لم يقصد المعمدان «بالروح القدس ونار» النار المادية، لكنه استعارها للتطهير كما في آيات أخرى كثيرة (إش 4: 4 وإر 5: 14 وملا 3: 2 وأع 2: 3). فالعماد بالنار هو التطهير التام، وهو لا يحدث إلا باقترانه بفعل الروح القدس. وبنفس المنطق تحدث المسيح عن لزوم الولادة من الماء والروح بمعنى أنها الولادة المطهِّرة. على أن الفاعل في ذلك ليس الماء، بل روح الله، واستُعير الماء للتطهير. ومما يرجح صحة هذا التفسير أن المسيح كان يخاطب نيقوديموس بذلك الكلام، وهو يهودي لم يعرف المعمودية المسيحية، والمسيح لم يعمد بالماء بل بالروح القدس. وكل من يراجع أقوال المسيح لنيقوديموس في يو 3: 1-13 يرى أن قصده كان توضيح لزوم الولادة الروحية لنيقوديموس، ولم يذكر المعمودية أبداً. ولو فرضنا أن المسيح أشار إلى المعمودية، فهو لم يقصد أنها واسطة الميلاد الثاني، بل قرنها بالتجديد، لأنها العلامة الخارجية للدخول في ملكوته، وهي لا تنفع شيئاً بدون الولادة من الروح، فقال «إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله» (آية 3) وأيضاً «المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح» (آية 6). وأيضاً «ينبغي أن تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب، هكذا كل من وُلد من الروح» (آيتا 7، 8). فلو كانت الولادة الروحية السرية بماء المعمودية لكان عدم تصريح المسيح بها غريباً. ولذلك نرجح أن المسيح لم يشر إلى المعمودية مطلقاً في هذه الآية. ولا ورد بصريح العبارة في كل العهد الجديد أن المعمودية واسطة فعالة ولازمة للتجديد، وليس لهذا القول أصل غير التعليم البشري.
وإن صح أن الولادة الروحية تتوقف على المعمودية عجبنا من قلة إيضاح هذا الأمر الجوهري في الأسفار المقدسة، لأن الإشارات إلى المعمودية نادرة في رسائل العهد الجديد، حتى أنها لم تُذكر قط في 13 رسالة من الرسائل. وقال بولس «أشكر الله أني لم أعمد أحداً منكم إلا كريسبس وغايس» وقال أيضاً إن المسيح لم يرسله ليعمد بل ليبشر (1كو 1: 14، 17). فلو صح إن العماد هو التجديد لما شكر الله على عدم إجرائه في كورنثوس، ولما فضّل التبشير على العماد. والحق إن المعمودية رسم خارجي والتجديد ولادة روحية لا يتم إلا بروح الله الذي يعمل حيث يشاء. على أننا لا ننكر أبداً العلاقة بين المعمودية والتجديد، وهي علاقة العلامة والختم بالحقيقة الروحية المستقلة عنها.
أما القول «خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس» (تي 3: 5) فالإشارة فيه إلى المعمودية مبهمة جداً وملتبسة، والأرجح أن الرسول لم يشر فيها إلا إلى الميلاد الثاني، الذي هو الواسطة الفعالة في تطهير القلب. كأن الرسول أراد أن يميز غسل الميلاد الثاني عن غسل المعمودية، ويثبت أن الغسل الداخلي هو الفعال للخلاص لا الغسل الخارجي (1بط 3: 21) ولذلك تُحسب العبارة التالية وهي «وتجديد الروح القدس» تفسيرية للقول «بغسل الميلاد الثاني» فالغسل هو تجديد الروح القدس.
وهنا تصح قاعدة من قواعد التفسير وهي «إذا احتملت آية أكثر من معنى واحد، رُجِّح المعنى الأقرب إلى قصد الكاتب ووحدة التعاليم» وكذلك قاعدة بهذا المعنى وهي «لا يجوز تفسير آية ملتبسة تفسيراً يناقض العقائد الشهيرة الثابتة المتَّفق عليها، والواضحة من آيات أُخرى». فنقول إن تأسيس تعليم لزوم المعمودية للتجديد، وفعلها المطلق في ذلك على آيتين ملتبستين خطأ عظيم، ولاسيما أن ذلك التعليم يخالف روح الكتاب، وغير مثبَت بنصّ صريح، مع أنه من ألزم التعاليم للبشر، لو أنه كان صحيحاً.
16 - ما هو تعليم الكتاب المقدس في مصير الأطفال الذين يموتون بدون معمودية؟
* نقصد بـ«الأطفال» الذين لم يبلغوا سن التمييز في المسائل الأخلاقية، ولم يدخلوا في حال المسؤولية من جهة أفعالهم تحت الشريعة الإلهية، وقبل ارتكابهم خطايا شخصية فعلية تستحق حكم الشريعة عليهم بالدينونة والقصاص. وتعليم الكتاب المقدس في نصيب هؤلاء الأطفال عند موتهم أنهم يخلصون، ولهم نصيب مبارك في فوائد الفداء بواسطة كفارة المسيح المحسوبة لهم رأساً برحمة الله وصلاحه. ولا ينكر الإنجيليون ولادة الأطفال في حال الخطية الأصلية تحت الدينونة، وحاجتهم إلى الميلاد الثاني بتجديد الروح القدس، بل يعلّمون ذلك وفقاً لتعاليم الكتاب (مز 51: 5 ويو 3: 6 ورو 5: 14 وأف 2: 3). ولكن لا بد من تمييز الخطية الأصلية عن الخطية الفعلية المرتكبة بالاختيار، فالخطية الأصلية وحدها لا تسبّب هلاك النفس، لأن نصيب الفداء بكفارة المسيح يُمنح رأساً للأطفال لأجل خلاصهم من الخطية الأصلية بدون لزوم إجراء سر المعمودية. ومما يؤيد هذا الاعتقاد ما يأتي:
(1) الأطفال حاصلون على رحمة خاصة من الله الذي يشفق عليهم ويعتني بهم بحنوّه الأبوي، كما يتضح من عبارات شتى في شأنهم، منها قول المسيح «لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار، لأني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات». وقوله «هكذا ليست مشيئةٌ أمام أبيكم الذي في السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار» (مت 18: 10، 14 قارن أيضاً آيتي 5، 6). وقوله «دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات» (مت 19: 14). والقول «لمثل هؤلاء ملكوت السموات» يبرهن أن الأطفال يخلصون إذا ماتوا في طفولتهم. ولا يوجد في الكتاب قول يفيد أن طفلاً هلك قط، بل ذُكر ما يدل على خلاصهم (2صم 12: 23). وقيل عن إرميا ويوحنا المعمدان ما يؤكد تجديدهما في طفولتهما (إر 1: 5 ولو 1: 15).
(2) تعليم الكتاب في عظمة فائدة فداء المسيح التي تحيط بكل بني جنسنا، إلا الذين يحرمون أنفسهم منها بارتكاب الخطية بدون توبة، ويستخفّون بوسائط الخلاص أو يهملونها. ولذلك نتحقق أن الذين يموتون في سن الطفولة يحصلون على الخلاص بالمسيح، فكما كان آدم نائبهم من جهة، هكذا المسيح نائبهم من جهة أخرى. قال الرسول «لكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى، وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم، الذي هو مثال الآتي» (رو 5: 14). وذلك يتضمن أنه كما ناب آدم عن الأطفال هكذا ينوب عنهم المسيح. وقال أيضاً «فإذاً كما بخطيةٍ واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر واحدٍ صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة، لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاةً، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبراراً. وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية، ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً، حتى كما ملكت الخطية في الموت، هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا» (رو 5: 18-21). وهذه الآيات تفيد أن الأطفال كما ورثوا الفساد من آدم بدون إرادتهم، هكذا يرثون البر والخلاص من المسيح بدون إرادتهم. والأسفار المقدسة لا تحرم الأطفال من هذا النصيب البتة، سواءٌ كانوا معتمدين أم لا، من والدين مؤمنين أم غير مؤمنين. فكل نسل آدم تحت الدينونة، وكذلك كل نسله ينال نصيب الفداء بالمسيح، إلا الذين صرح الكتاب المقدس بعدم أهليتهم لملكوت الله. وليس لنا حق أن نحصر هذا التعليم إلا في ما يحصره الوحي الإلهي. ولذلك قال الرسول إن النعمة «ازدادت جداً» وأيضاً «تفاضلت نعمة ربنا جداً» وإن فوائد الفداء تتعاظم على شر السقوط، وإن عدد المفديين يفوق جداً عدد الهالكين، كما يستنتج من قوله «ازدادت النعمة جداً». «وبالأولى كثيراً.. نعمة الله قد ازدادت للكثيرين» (رو 5: 15، 20 قارن 1كو 15: 22 ورؤ 7: 9). ولا يتناقض هذا مع قول المسيح «ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونه» (مت 7: 14) لأن ذلك قيل في البالغين، والكتاب المقدس موجَّه لأهل الفهم ليرشدهم، لا للأطفال الذين لا قدرة لهم على إدراكه، فلا يكون قول المسيح هذا للأطفال ولا عليهم، بل يشير إلى البالغين. وكذلك لا نفهم من قوله «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله» (يو 3: 36) أن خلاص الأطفال مستحيل لأنهم لم يؤمنوا بابن الله، لأن المسيح لم يقل هذا لهم، وهم غير قادرين على الإيمان.
(3) يُبنى الحكم للدينونة في اليوم الأخير على أعمال الإنسان، ولكن ليس للأطفال عمل يوجب الحكم لأنهم لم يخطئوا بالفعل، فهم لا يدخلون مع من يُدانون (رو 2: 5، 6).
وإذا قيل لماذا لم يصرح الله بهذا التعليم بأكثر وضوح في الكتاب المقدس؟ قلنا: إن الله لا يعلن من سرائر حكمته ما لا يفيد البشر ويرشدهم للخلاص، كما أن رحمة الله غير مقيدة بهذه المسألة. ولنا أساس كافٍ لنأمل بل نؤكد أن لهؤلاء الصغار نصيباً في الرحمة الإلهية. على أن خلاصهم لا يتم إلا بتخصيص فوائد موت المسيح لهم وتجديدهم بروحه الصالح، لأن لا خلاص للبالغ وغير البالغ إلا بكفارة المسيح والتجديد.
17 - ما هي آيات الكتاب المقدس التي تشير إلى العشاء الرباني، وماذا تعلمنا بشأنه؟
* هي «وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا» (مت 26:26-28). «وفيما هم يأكلون أخذ يسوع خبزاً وبارك وكسر وأعطاهم وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي. ثم أخذ الكأس وأعطاهم فشربوا منها كلهم. وقال لهم: هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين» (مر 14: 22-25). «وأخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً: هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري. وكذلك الكأس أيضاً بعد العشاء قائلاً: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم» (لو 22: 19، 20). «كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح؟ الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح؟ فإننا نحن الكثيرين خبزٌ واحد، جسدٌ واحد، لأننا جميعاً نشترك في الخبز الواحد» (1كو 10: 15-17). «لأني تسلّمت من الرب ما سلمتكم أيضاً، أن الرب يسوع في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزاً وشكر فكسر وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكري. كذلك الكأس أيضاً بعد ما تعشوا قائلاً: هذه الكأس هي للعهد الجديد بدمي. اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري. فإنكم كل ما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء. إذاً أيُّ من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق، يكون مجرماً في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس، لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه، غير مميزٍ جسد الرب» (1كو 11: 23-30).
فهذه الأقوال تعني:
(1) العشاء الرباني فرضٌ إلهي واجب على الدوام.
(2) العناصر التي تُستعمل فيه هي الخبز والخمر.
(3) الأمور المهمة في خدمته ثلاثة: (أ) تكريس الخبز والخمر، (ب) كسر الخبز وصب الخمر وتوزيعهما، (ج) قبول المشتركين إياهما.
(4) المقصود في هذا السر أربعة أمور: (أ) تذكار موت المسيح، (ب) التعبير عن اشتراكنا بالإيمان في جسد المسيح ودمه بطريقة ظاهرة، (ج) التعبير عن اتحاد المؤمنين بالمسيح وبعضهم ببعض في حياة واحدة روحية، (د) الإشارة إلى قبولنا علانية العهد الجديد المثبت بدم المسيح وختم ذلك.
(5) شروط الشركة المفيدة ثلاثة: (أ) تمييز جسد الرب، (ب) الإيمان به، (ج) المحبة للمسيح وشعبه.
وأهم الأمور التي وقع فيها الخلاف في هذا السر أربعة:
(1) معنى أن الخبز والخمر هما جسد المسيح ودمه.
(2) معنى أن المشتركين يقبلون جسد المسيح ودمه.
(3) الفوائد التي تحصل منه، والطريقة التي تحصل بها.
(4) الشروط التي تتوقف عليها فاعليته. وسنتحدث عن كل هذا بالتفصيل.
وأجمعت الكنائس على أن هذا السر فريضة إلهية واجبة على الدوام، فلم تشُكّ الكنيسة المسيحية قط في أن المسيح قصد أن يُحفظ هذا السر في كنيسته حتى مجيئه ثانيةً. واستندت على ما يأتي:
(1) وصية المسيح الصريحة في ذلك (لو 22: 19 مكررة في 1كو 11: 24).
(2) القصد منه ذكر المسيح، وتكرار خبر كفارته على آذان البشر، واشتراك شعبه في فوائد ذبيحته. فإن هذا يستلزم وجوب حفظه ما دام المسيح غائباً عن كنيسته بالجسد.
(3) فهم الرسل أمر المسيح على هذه الكيفية بدليل حفظهم هذا السر وإشارتهم إليه تكراراً في ما كتبوه باسم «كسر الخبز» و«عشاء الرب» و«مائدة الرب».
(4) عادة الكنيسة العامة في شأنه. وذلك لا يمكن تعليله إلا بأنه كان بأمر المسيح وسلطان الرسل.
(5) قول الرسول «إلى أن يجيء» فهذا يدل على لزوم ممارسة هذا السر إلى مجيء المسيح ثانيةً.
18 - ما هي تسميات العشاء الرباني في الكتاب المقدس؟
* (1) «عشاء الرب» أو «العشاء الرباني» لأن الرب يسوع رسمه ليلة العشاء الأخير (1كو 11: 25).
(2) «كأس البركة» (1كو 10: 16) لأن المسيح بارك الكأس كما بارك الخبز أيضاً (مت 26:26).
(3) «مائدة الرب» و«كأس الرب» (1كو 10: 21). بمعنى الطعام والشراب الروحيين الموضوعين على المائدة.
(4) «شركة جسد المسيح ودمه» (1كو 10: 16) فبواسطة الخبز والخمر يشترك المؤمن في جسد المسيح ودمه.
(5) «كسر الخبز» (أع 2: 42). والمقصود بذلك السر كله.
وقد أطلقت الكنيسة على هذا السر أسماء أخرى، منها:
(1) «الأفخارستيا» أي الشكر (مت 26: 27) لأنه خدمة شكر، فهي كأس الشكر كما أنها كأس البركة.
(2) «الاجتماع» لأن ممارسته كانت تتمّ في اجتماعٍ جمهوري في حضور المسيح.
(3) «الليتورجيا» أي الخدمة، إشارةً إلى الخدمة المقدسة في تخصيص عناصره المقدسة، وتُرجمت إلى «القداس».
(4) «التقدمة» ليس باعتباره ذبيحة كفارية، بل لاقترانه بجمْع الحسنات، ولأنه يذكّر بتقدمة المسيح على الصليب.
(5) «أفلوجيا» أي البركة (1كو 10: 16).
(6) «السر» لأنه إشارة سرية إلى موت المسيح وفوائده للمؤمنين.
ويسمي الإنجيليون هذا السر «عشاء الرب» و«العشاء الرباني» و«مائدة الرب» و«كسر الخبز».
19 - ما هي العناصر التي تُستعمل في عشاء الرب؟
* نستعمل فيه ما عيَّنه المسيح: الخبز والخمر، لأنهما مادتان بسيطتان تشيران إلى جسد المسيح ودمه. وكان الخبز الذي استعمله المسيح فطيراً، غير أن الرسل استعملوا ما وُجد أمامهم من الخبز دون اهتمامٍ بنوعه، إن كان فطيراً أو مختمراً، فليست المادة أو شكل الأرغفة هي الأساسية، بل وجود خبز يشير إلى الذي قال عن نفسه إنه خبز الحياة الذي نزل من السماء. وقد نشأت منازعه شديدة على هذا الموضوع في القرن الحادي عشر بين الكنيستين الشرقية والغربية، فرفضت الشرقية استعمال الفطير باعتباره عادة يهودية لا يلتزمون بها، وحكمت الغربية بأنه النوع الوحيد الجائز استعماله، ولو أن استعمال الخبز المختمر جائز أيضاً لأنه لا يفسد السر.
والخمر المستعمل في هذا السر هو عصير العنب المختمر. ولا يوجد ما يثبت قول البعض إن المسيح لم يستعمل خمراً، بل استعمل عصير العنب غير المختمر. والكأس هو لجميع المؤمنين بدليل قول المسيح «اشربوا منها كلكم» (مت 26: 27) «فشربوا منها كلهم» (مر 14: 23).
20 - كيف يُجرَى العشاء الرباني؟
* تتم خدمة هذا السر بثلاثة أمور:
(1) الصلاة الافتتاحية وفيها نقدم الشكر لله لأجل ابنه الذي نذكر موته، ونجهّز قلوب المشتركين للخدمة المقدسة، ونكرّس العنصرين، فليس في الخبز والخمر في ذاتهما أو في استعمالهما إشارة إلى جسد المسيح ودمه.
(2) كسر الخبز اقتداءً بالمسيح وإشارةً إلى جسده المكسور لأجلنا.
(3) توزيع العنصرين وتناولهما اقتداءً بالمسيح الذي بعد أن بارك الخبز وكسره ناوله للتلاميذ قائلًا «خذوا كلوا». وكذلك بعد أن بارك الكأس أعطاهم قائلًا «اشربوا منها كلكم».
وقد أعطى المسيح تلاميذه الخبز والخمر، واشترك معهم في ما قدمه لهم. وهذا يعلمنا أنه:
(1) يجب أن يأخذ المشترِك بيده الخبز والخمر.
(2) يجب أن يتناول القسيس والشعب معاً من العنصرين.
(3) يجب عدم خلط الخبز والخمر ومناولتهما معاً، بل يتم توزيع كلٍ منهما وحده.
(4) لا يجب منع الشعب من التناول من الكأس، بحجة الخوف من انصباب دم الرب وتدنيسه. ويجب أن يتم التناول من عشاء الرب بغاية الفرح والسرور لأنه تذكارٌ لتلك الذبيحة التي بها نلنا المصالحة مع الله ورجاء الحياة الأبدية. وليس في السر ما يوجب الحزن والغم، بل تحزن النفس من التأمل في خطاياها. ولكن بموت المسيح تخلص من الدينونة وتنال المغفرة، وهذا من أعظم أسباب الابتهاج.
وليس في الكتاب نصٌّ عن وقت ممارسة هذا السر، لكن في بداية تاريخ الكنيسة كانوا يجتمعون يومياً لذلك (أع 2: 46) وأسبوعياً أيضاً (أع 20: 7). وقد جرت العادة في الكنيسة أن تمارسه مرة كل شهر أو شهرين أو ثلاثة. وبما أن الكتاب لم يصدِر أمراً بهذا الشأن، فقد تُركت المسألة لاستحسان الكنائس. كما لا يوجد أمرٌ بتحديد عدد المشتركين في وقت واحد، أو مكان تناولهم من العنصرين مثل أن يكون وقوفاً عند المنبر أو جلوساً في وسط الكنيسة، ولا يوجد تحديد لطريقة التناول: جلوساً أو ركوعاً، أو طريقة التوزيع مثل أن يكون من يد القسيس أو من أحد الأعضاء، أو في أن الخبز فطير أم لا، أو في أن الخمر ممزوجة بالماء أم لا. فهذه قضايا هامشية لا تؤثر في الجوهر. ولا يجوز أن تشغل الكنيسة نفسها بهذه العرضيات.
21 - ما هو هدف العشاء الرباني؟
* لما كان موت ابن الله المتجسد لأجل خلاصنا هو أهم جميع الحوادث، اقتضى ذلك حفظه تذكاراً دائماً. ولهذا رسم المسيح هذا السر وقال لتلاميذه «اصنعوا هذا لذكري» وقال الرسول «كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء» (1كو 11: 26). وممارسة عشاء الرب في الكنيسة بدون انقطاع منذ الصَّلب إلى هذا اليوم برهان قاطع على صدق وقوع حادثة الصلب، التي هو تذكار لها. ولكن هدف العشاء الرباني أبعد من ذلك، فهو شهادة عن القصد من الصَّلب «هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم» و«هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا» فموت المسيح كفارة وذبيحة «المكسور لأجلكم». فإذاً ليس الفداء بالتعليم ولا بالتأثير الأخلاقي، بل بالكفارة. والعشاء الرباني يُظهر هذه الحقيقة ويثبتها.
ويتناول المؤمن في العشاء الرباني المسيح بالإيمان، أي يقبل جسده ودمه روحياً. قال الرسول إن «الخبز الذي نكسره هو شركة جسد المسيح، والكأس التي نباركها هي شركة دم المسيح» (1كو 10: 16). وقال المسيح «خذوا كلوا هذا هو جسدي» وأيضاً عن الكأس قال «اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي». ولا بد أن لمناولة جسد المسيح ودمه معنى خاصاً. ويلزم عن ذلك أمران: (أ) أنه يصير هو وشعبه واحداً و(ب) أن جميع المؤمنين الحقيقيين يصيرون بواسطة هذه الشركة مع المسيح جسداً واحداً وأعضاءً بعضهم لبعض. والمسيح وشعبه هم واحد، بمعنى أن ليس هم الذين يحيون بل المسيح يحيا فيهم (غل 2: 20). فهو يحل فيهم، وحياته حياتهم. وبما أنه حيٌّ فهم يحيون أيضاً (يو 14: 19). وهم واحد كما أن الرأس والأعضاء في الجسد الإنساني هي واحد. والروح القدس المعطى له بدون كيل يتوزع على شعبه فيصيرون «جسداً واحداً مركّباً معاً ومقترِناً» (أف 4: 16). وهم بروح واحد يعتمدون إلى جسد واحد (1كو 12: 13). وهذا الاتحاد بين المسيح وشعبه يشبه الاتحاد بين الكرمة والأغصان، فإن حياة الكرمة هي نفس حياة أغصانها (يو 15). وكذلك المسيح وشعبه واحد كما أن الرجل وامرأته هما واحد، فنحن «أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه» (أف 5: 30).
يتحد المؤمنون معاً تحت رأس واحد ويصيرون جسداً واحداً بمعنى روحي. ويحل الروح القدس في كل واحد منهم ويجعلهم واحداً، ويعمل فيهم جميعاً على السواء أن يريدوا وأن يعملوا، ويكون لهم مبدأ حياة واحد، فيكون لهم إيمان واحد واختبار ديني واحد، ورب واحد وإله واحد وأب واحد. وهم مرتبطون معاً، حتى إذا تألم عضو واحد أو تمجد عضو واحد اشتركت معه بقية الأعضاء في الألم أو المجد (1كو 12: 26). وقد أجمعت كل الكنائس على ذلك، وعلى أن المؤمنين يتحدون في العشاء الرباني بالمسيح ويتحد بعضهم ببعض.
وفي الليلة التي أُسلم فيها المسيح وضع سر جسده ودمه وسمّاه العشاء الرباني ليُمارَس في كنيسته إلى منتهى العالم ليذكر المؤمنون تقديم نفسه بموته ذكراً دائماً، ولختم فوائد ذلك للمؤمنين الحقيقيين، ولغذائهم الروحي ونموهم فيه، ولتجديد التزامهم بجميع الواجبات التي له عليهم، وليكون رابطاً وعربوناً لشركتهم معه وشركة بعضهم مع بعض باعتبارهم أعضاء جسده السري. وهناك خمسة أهداف مهمة في عشاء الرب وهي:
(1) التذكار: لأنه يذكّرنا بموت المسيح كفارةً عنا، ويشهد شهادة دائمة بتلك الحادثة الفائقة التي هي جوهر الدين المسيحي. وممارسة هذا السر على توالي العصور إعلانٌ وشهادة من الكنيسة المسيحية بموت المسيح كفارة، وإذاعة إيمان المسيحيين بذلك. وهو علامة ظاهرة لأن نظام العهد القديم قد استُبدل بنظام العهد الجديد، فتحوّل الفصح إلى العشاء الرباني بأمر المسيح وسلطانه. فلا يمكن أن تنسى الكنيسة ولا العالم أن الرب يسوع مات ذبيحة لأجل خطايا البشر.
(2) الإقرار: فالمشتركون في ذلك العشاء يعترفون بإيمانهم بالمسيح مصلوباً، وباتكالهم عليه لأجل الخلاص، وبقبولهم إياه فادياً وملكاً، وبأنهم تلاميذ له، وبأنهم يجددون عهدهم بذلك، وينذرون نذور الأمانة له والطاعة لسلطانه. وكأنهم بواسطة اشتراكهم في ذلك العشاء يخصصون نفوسهم بكامل إرادتهم للمسيح، ويوقفون أنفسهم له، ويعتزلون العالم (1كو 10: 21).
(3) البنيان: يُبرز هذا السر أمام المؤمن أعظم حقائق الإيمان ويحرك عواطفه ويجدد فيه المحبة للمسيح والإيمان به والاتكال عليه، وينبّهه إلى هدف خدمته، ويذكّره بواجباته المتنوّعة لربه ولكنيسته وللعالم، ويربي فيه الفضائل المسيحية على أنواعها، ولا سيما المحبة الأخوية، ويخمِد روح الخصام والنفور بين المشتركين اشتراكاً واحداً في جسدٍ واحد. فمناولته يجب أن تقترن دائماً بتجديد العهود والنذور للمسيح ولكنيسته ولخدمته، وهكذا يتحرك قلب المؤمن تحركاً جديداً في التقوى كلما حضر مائدة الرب.
(4) إثبات الاتحاد الأخوي في الكنيسة: فإنه يجمع الكنيسة كأهل بيت واحد وأهل إيمان واحد برب واحد. وكلما اجتمع الشعب للاشتراك فيه يعلن بعضهم لبعض إيمانهم ومشاركة بعضهم لبعض في رجاء واحد. فكل واحد يحقق لإخوته أنه أخ في الرب ومرتبط بهم بُربُط حياة واحدة مشتركة في المسيح، وأنه ليس من أهل الخصام والخبث والعداوة والبُغض، بل من أهل المحبة والسلام والصبر والاتحاد. حتى أن كل من تناول يقدر أن ينظر إلى وجه كل من تناول معه ويتحقق أنه من محبيه، وأنهما أهل بيت واحد في الرب. ويصدق هذا كله على كل أعضاء كنيسة المسيح في كل العالم لا على أعضاء كنيسة واحدة في مكان معين، فالمؤمن من بلاد بعيدة يمكنه أن يجتمع اجتماعاً أخوياً حول مائدة الرب مع المؤمنين، ولو لم يكن قد رأى وجه واحدٍ منهم قبلاً، ويشعر أنه أخ بين إخوة في الرب.
(5) الإشارة إلى مستقبل الكنيسة: لأنه ينبّه جميع المؤمنين حول مائدة الرب إلى الاجتماع في السماء عند عشاء عرس الحمل السماوي. وفيما نذكر الصليب الذي حدث في أورشليم الأرضية قديماً، نتطلع إلى ما سيحدث في أورشليم السماوية في المستقبل. فبدايته على جبل صهيون الأرضي ونهايته على جبل صهيون السماوي. فهو وليمة تمثل وليمة المفديين في المجد، إذ الخبز يشير إلى الخبز السماوي، والخمر إلى تلك الخمر التي سيشربها المسيح مع مختاريه في ملكوت أبيه. فالتناول نبوَّة ابتهاج وفرح بشركة القديسين في المجد مع ربهم رئيس الوليمة.
22 - مَن يشترك في عشاء الرب؟
* لا يوجد من يستحق أن يشترك فيه. أما من يتناوله فهو المؤمن الذي يعلن أنه تلميذ المسيح الذي يتناول باستحقاق كفارة المسيح. وليكون الإنسان مؤمناً يجب أن يعرف المسيح معرفة اختبار، ويصدّق ما أعلنه الله بشأن ابنه، ويؤمن أن المسيح مات لأجل خطاياه، وأن جسده كُسِر لأجله هو شخصياً، ويقبل المسيح بالتوبة والإيمان كما هو مقدَّم له كفارة عن الخطية، ويعرف الإنجيل معرفة كافية، ويعترف علناً بهذا كله.
وعلى كل من يتناول أن يكون مستعداً لذلك، فيقترن تناوله بالمحبة الفائقة للمسيح والشكر له، والعزم الثابت على ترك الخطية وعلى العيشة لمجد الرب. ويُطلَب من الذين يريدون أن يشتركوا باستحقاق في العشاء الرباني أن يمتحنوا أنفسهم عن معرفتهم تمييز جسد الرب، وإيمانهم للتغذّي بالمسيح، وتوبتهم ومحبتهم وطاعتهم الجديدة، لكي لا يكونوا غير مستحقين، فيأكلوا ويشربوا دينونة لأنفسهم. ويجب على القسيس أن يحذّر العالميين والجهال والعائشين في الخطية عمداً، والمتوغلين في الشر سراً، من الاقتراب إلى مائدة الرب، كما يجب عليه أن يدعو إلى هذه المائدة المقدسة كل من شعر بإثمه وضلاله وضعفه، واتكل على كفارة المسيح للصفح والقبول عند الله، أي أن يكون قد عرف التعليم الإنجيلي، وقدر على تمييز جسد الرب، وعزم على رفض الخطية والعيشة الطاهرة.
وخلاصة ما تطلبه الكنيسة للاشتراك في عشاء الرب ما يأتي:
(1) التجديد والإيمان الحي، لأن ذلك الطعام الروحي ليس للأموات بل للأحياء.
(2) العماد لأن المعمودية علامة ظاهرة للدخول في الكنيسة المنظورة (أع 2: 38، 41 و8: 12 و10: 47، 48 و22: 16).
(3) الاشتراك في عضوية الكنيسة المنظورة، لأنه لما كانت كنيسة المسيح بيتاً واحداً وجب أن يكون المتقدم إلى التناول من أهل ذلك البيت. والكنيسة جمهور من المؤمنين تحت نظام مقرر، فينبغي أن تسبق العضوية في الكنيسة الاشتراك في فرائض تلك الكنيسة. وعلى الكنيسة أن تدعو عند ممارسة السر أعضاء غيرها من الكنائس الإنجيلية، إذا كانوا في عضوية تامة ليشتركوا معها في التناول.
(4) السلوك التقوي اللائق الذي يطرح كل فساد في الأخلاق، وكل اعتقاد يخالف تعاليم الأسفار المقدسة، وكل سيرة تعيب الديانة المسيحية، وكل ما يناقض إرادة الرب (1كو 5: 9، 11 و2تس 3: 6).
23 - من يحكم في أن طالب التناول مستعد للتناول؟
* حق ذلك الحكم للكنيسة نفسها، أي النائبين عنها مع قسيسها، وهم أعضاء مجلسها (انظر جواب س 5 في هذا الفصل). وعلى مجلس الكنيسة أن يفحص المتقدم للاشتراك في عضوية الكنيسة والتناول من عشاء الرب من جهة معرفته بالحقائق الإنجيلية، وتوبته عن خطيته، وإيمانه بالرب يسوع باعتباره مخلصه، وبعقائد الديانة التعليمية الجوهرية، وطهارة حياته ونيته في إتمام مسؤوليته لكنيسة المسيح، وفي محافظته على أوامر الرب محافظة حقيقية. وليس لمجلس الكنيسة أن يحكم حكماً قاطعاً خالياً من الشك في أن الطالب متجدد بروح الله أو لا، لأن ذلك فوق طاقة البشر. بل عليه أن يسمع منه الإقرار الواضح بإيمانه ومقاصده، وأن يتحقق أنه لا شيء في سيرته يناقض إقراره. فإن لم توافق سيرته إقراره، وجب على المجلس أن يؤخر قبول انضمام الطالب، وينبّهه بلطف لسيرته، ويبيّن له لزوم التأخير إلى أن يُعيد امتحان نفسه ويُصلح سلوكه.
24 - ما هو القول الصحيح في فاعلية تناول العشاء الرباني؟
* اشتهر في تاريخ الكنيسة في هذه المسألة أربعة أقوال:
(1) تعليم زونجلي: وقد تبعه الأرمينيون والسوسينيون، وهو أن العشاء الرباني مجرد علامة محسوسة تشير إلى موت المسيح، بدون أن يكون فيه أدنى فاعلية في حد ذاته. ولا يحضر فيه المسيح على الإطلاق، لا جسدياً ولا روحياً. ولذلك لا يحسبون عشاء الرب من وسائط النعمة، بل يحسبونه تذكاراً لموت المسيح، وشهادةً لإيمان المشترِك. ويخلو هذا المذهب من الاحترام الواجب لهذا السر.
(2) تعليم الكنيسة اللوثرية: وهو أن جسد المسيح موجود في ذلك العشاء، لا بمعنى أن الخبز والخمر يستحيلان إلى جسده ودمه، بل بمعنى أن المسيح يحضر جسدياً ويصاحب العناصر ويرافقها على منوال سري، حتى يقبل المشترك المسيح فعلاً بمعنى سري أثناء قبوله الخبز والخمر، اللذين لا يزالان في حد ذاتهما خبزاً وخمراً. وعلى ذلك يكون لعشاء الرب فاعلية حقيقية ذاتية، وتأثير فعلي في كل من يقبله. غير أن فاعليته (وإن كانت ذاتية فيه) تتوقف على إيمان المشترك. وهذا يعني أن عدم الإيمان يمنع فاعلية السر. ويوضحون معنى تعليمهم هذا بقولهم إن النار لا تفعل في الحطب إلا إذا كان جافاً. على أن جفاف الحطب لا يعطي النار قوتها. وقولهم إنه لولا إيمان المرأة التي مست ثوب المسيح ما استفادت. على أن قوة المسيح على الشفاء لم تتوقف على إيمان تلك المرأة. فاللوثريون يعتقدون أن لعشاء الرب قوة ذاتية وفاعلية حالة فيه، غير أن المشترِك لا يستفيد من ذلك إلا إذا كان مؤمناً. ونحن لا نعترض على رأيهم في لزوم الإيمان لنوال الفائدة من عشاء الرب، وإنما نعترض على قولهم بفاعلية السر بناء على حضور جسد المسيح على المنوال السري المذكور.
(3) التعليم التقليدي: وهو أن في عشاء الرب نعمة ذاتية، وليس فقط إشارة إليها، وأنه واسطة فعالة في توصيل النعمة إلى قلوب المشتركين فيه «فعلاً مفعولاً» وأن نوال الفائدة لا يتوقف على إيمان المشترِك، بل على عدم مقاومته لذلك الفعل، وأنه يجب على الذي يناوِل السر أن يكون ذا سلطان من الكنيسة، وأن يكون قصده قصدها في ممارسة السر. فالأسرار (عندهم) تتضمن النعمة، ولها في نفسها قوة ذاتية على تطهير المتناوِل، وأن قوتها في الدين تشبه قوة المواد الطبيعية في الطبيعة أو قوة النار على الإحراق. فكما أن النار تشتعل لأن الله جعل فيها قوة على الاشتعال، كذلك تُوصِّل الأسرار النعمة للمتناول، لأن الله جعل فيها قوة على ذلك، وهي معيّنة لهذه الغاية. وقيل إن الأسرار تتضمن النعمة لأنها تمنحها من قوتها الذاتية، بسبب القوة الحالة فيها، لا إلى فعل الروح القدس وحده.
(4) تعليم الكنيسة الإنجيلية: وهو أن فاعلية العشاء الرباني ليست فيه بالذات، بل بواسطة الروح القدس الذي يرافقه ويوصِّل فوائده إلى قلب المؤمن. فالروح القدس هو الذي يجعل ذلك السر واسطةً لاتحاد المؤمن بالمسيح اتحاداً روحياً بالإيمان. وعلى هذا تكون للعشاء الرباني فاعلية عظيمة في بنيان المشتركين وتقوية اتحادهم بالمسيح وتحريك عواطفهم وملئهم بالقداسة والتقوى. وتتوقف فاعلية السر على حضور المسيح روحياً، وبركته على المشتركين، وعلى فعل الروح القدس في إتمام غاية السر الروحية. فعلى متناول السر أن يقبله بالإيمان بإحساسات التواضع والشكر والمحبة القلبية، وإلا فليس له شركة فيه.
يرفض الإنجيليون القول إن العشاء الرباني فعال في ذاته، وإن العنصرين يستحيلان إلى جسد المسيح ودمه حقيقةً، وكذلك يرفضون قول اللوثريين إن في السر فاعلية ذاتية (وإن كانت تتوقف على إيمان المشترِك) لأن جسد المسيح حاضر فيه حقيقة بمعنى سري. وكذلك يرفض الإنجيليون قول زونجلي والسوسينيين وغيرهم إن سر العشاء هو علامة خارجية وإعلان منظور لإيمان المشتركين. وتتوقف فاعلية السر (بموجب مذهب الإنجيليين) على حضور المسيح روحياً بالروح القدس، وتأثيره في قلوب المشتركين حتى ينالوا جسد المسيح بطريقة روحية، لا جسدية، لأن جسد المسيح ودمه ليسا حينئذ في الخبز والخمر بمعنى جسدي، أو بمعنى استحالتهما، بل المسيح حاضر فيه لإيمان المؤمنين بطريقة روحية كحضور العناصر الخارجية للحواس الظاهرة. أما جسده الحقيقي فهو في السماء. وإنما هو يحضر مع شعبه على الأرض وفي احتفال مائدته بروحه القدوس.
25 – ما هي الأدلة على بطلان القول بالاستحالة؟
* يخالف تعليم الاستحالة شهادة الحواس والعقل والوحي. ولنا على إبطاله براهين كثيرة نذكر منها:
(1) لم يُعرَف تعليم الاستحالة في الكنيسة الأولى. وأول من صرح به على نسق تعليمي في الكنيسة الغربية باسخاسيوس رادبرتس في منتصف القرن التاسع في كتاب ألفه في «جسد الرب ودمه» فقاومه أفضل لاهوتيي ذلك القرن ومنهم راترامنس الذي ألَّف كتاباً قال فيه «أما من جهة الجواهر المادية فكما كانت قبل التقديس لم تزل كذلك بعده». وقال أريجينا في علاقة المسيح بالأفخارستيا «نقدمه روحياً ونأكله عقلياً بالذهن لا بالأسنان». وفي القرن الحادي عشر نفى برانجر تلك البدعة، على أن السنودس الروماني أثبتها سنة 1079 وقُبلت قانونياً بأنها من الإيمان في المجمع اللاتراني الرابع سنة 1215م تحت رئاسة البابا إنوسنت الثالث. ووجدت هذه البدعة احترامها في الكنيسة الشرقية في أواخر القرن الثامن حين حكم المجمع النيقوي الثاني سنة 787م (وهو الذي حكم بعبادة الصور والتماثيل) بجواز اعتبار العناصر رموزاً قبل تقديسها، لا بعد ذلك. على أن المجمع الذي التأم في القسطنطينية سنة 754م حكم أن عناصر الأفخارستيا هي بمنزلة رموز أو إشارات. ولكن بعد المجمع النيقوي الثاني أخذ الشرقيون يؤمنون بالاستحالة، وداموا على ذلك إلى أن صُرح بالإيمان بها في عقائد كنيستهم التي أُعلنت في منتصف القرن السابع عشر، بعد الإصلاح اللوثري في القرن السادس عشر.
وإذا نظرنا إلى القرون الأولى من تاريخ الكنيسة رأينا في مؤلفات الآباء القدماء ما يحقق لنا عدم تصديق الكنيسة لتعليم الاستحالة، فإننا لا نرى له ذِكراً في القرون الثلاثة الأولى بعد المسيح. ولو أننا نجد في كلام جستن الشهيد (سنة 155م) وإيريناوس (سنة 185م) عبارات مبهمة حوّلها القائلون بالاستحالة عن معناها المقصود، لأننا لا نجد فيه ما يشير إلى تغيُّر جوهر الخبز بل ما معناه إنه صار مفروزاً لغاية مقدسة، وهو رمز إلى جسد المسيح، أو بمعنى سري صار الخبز إشارة إلى حضور المسيح روحياً وكذلك الدم. وليس في مؤلفات أكليمندس الإسكندري وأوريجانوس وترتليان وكبريان ما يثبت تعليم الاستحالة قط. وفي القرن الرابع والخامس والسادس لم يصدق أفضل المؤلفين المسيحيين القول بالاستحالة. فقال أوسابيوس القيصري (سنة 330م) إن تذكار ذبيحة المسيح على مائدته «بواسطة رموز الجسد والدم» وقال أثناسيوس (سنة 370م) في شرحه إنجيل يوحنا ص 6 ما معناه «إن مناولة جسد المسيح ودمه حقيقةً أمرٌ لا يُقبل، وإن قصد المسيح في هذه الآيات لا يُفهم إلا روحياً». وقال غريغوريوس النازيانزي (سنة 380م) «إن عناصر الأفخارستيا رموز جسد المسيح ودمه». وقال يوحنا فم الذهب (سنة 400م) «إن الخبز المقدس يستحق أن يُسمى جسد الرب، مع أن الخبز لم يزل على حقيقته» وقال باسيليوس (سنة 375) «إننا نأكل جسد المسيح ونشرب دمه إذا صار لنا شركة بالكلمة والحكمة بواسطة تجسده وحياته البشرية». وقال مكاريوس الأكبر (سنة 380م) ما معناه إن الخبز والخمر أُشير بهما إلى جسد المسيح ودمه ولا نأكل منهما إلا روحياً. وقال أغسطينوس (سنة 420م) «إن قول المسيح إنه يعطينا جسده لنأكل لا يجوز فهمه جسدياً، لأن نعمته لا تُقبَل بالأسنان» وإن قول المسيح «هذا هو جسدي» كان بمعنى أن «الخبز وُضع علامةً لجسده». وذكر الوليمة التي فيها «قدم المسيح لتلاميذه جسده ودمه مجازاً». وقال ثاودوريتوس (سنة 450م) «العناصر هي رموز سرية» وأشار إليها بتلك العبارة بعد تقديسها وأثبت أنه لا يحدث فيها تغيير جوهري في الأفخارستيا. وقال غيلاسيوس أسقف روما (سنة 495م) «إن جوهر الخبز وجوهر الخمر لا يزالان فيهما، فالحق أننا نحتفل بالأسرار المقدسة بصورة جسد المسيح ودمه ورمزهما».
على أننا لا ننكر أن قليلين من الآباء كتبوا ما يُظن أنه تعليمٌ بالاستحالة، منهم غريغوريوس النسي وكيرلس الأورشليمي وأمبروز وهيلاريوس الذين نبغوا في أواخر القرن الرابع. على أن ما قصدوه بعباراتهم في هذا الموضوع لم يزل تحت الشك، وإن ظهر فيها ما يقرب من معنى الاستحالة. ولا يبعد عن الظن أن عبارات هؤلاء الآباء وأقوال الليتورجيات القديمة في عشاء الرب لا تفيد إلا حضور المسيح سرياً أو بالمعنى المجازي (وهذا يوافق اعتقاد الكنيسة اللوثرية). وقد استعملوا المجاز البليغ إكراماً لمقام ذلك السر العظيم وتوضيحاً، لأنه رمزٌ لجسد المسيح المكسور ودمه المسفوك لأجل خلاص العالم، وبنفس الروح الذي به قال المسيح له المجد «هذا هو جسدي».
(2) يناقض شهادة الحواس: لأن الخبز بشهادة الحواس لا يزال خبزاً، والخمر لا تزال خمراً، فهذه شهادة النظر والذوق والشم واللمس. وإذا تُرِك ذلك الخبز فسد كالخبز المعتاد. وجواب التقليديين على هذا هو «إن حواسكم بجملتها تغشّكم، فإن شهدَتْ أن الخبز لم يزل خبزاً بعد التقديس، فلكم دليل الوحي على إبطال تلك الشهادة، وهو قول المسيح «هذا هو جسدي». فيجب عليكم أن تعتبروا شهادة الوحي أكثر من شهادة الحواس». وتسهيلاً لقبول هذا القول صرحت الكنيسة أن الاستحالة تقع في جوهر الخبز والخمر لا في أعراضهما، وقصدت بأعراض الخبز اللون والطعم والشكل والخواص الطبيعية الخارجية التي تميزه ظاهراً عما سواه من المواد. وقصدت بالجوهر أمرٌ سريٌ لا تدركه الحواس، تقوم به أعراض الخبز. وجعلت ذلك الأمر السري مركز الاستحالة دون ظواهر المادة. ولا نرى كيف يتغير الجوهر ولا تتغير معه الأعراض، لأن هذا يخالف كل نواميس الطبيعة، فاستحالة الجوهر تقتضي تغيير الأعراض لا محالة.
وإذا قيل إنه يجب على المسيحي المؤمن أن يصدق أحياناً ما هو فوق إدراكه بالعقل والحواس سلَّمنا. ولكن لا نسلِّم أن المؤمن مكلَّف بقبول ما يخالف عقله وحواسه، فنحن نؤمن بقيامة المسيح، ولكن إيماننا هذا مبني على شهادة الحواس، لأن كثيرين من البشر شاهدوا المسيح وعرفوه بالحواس بعد قيامته. والمسيح نفسه سمح لتوما أن يلمسه ليؤمن. وهكذا يُقال في جميع معجزات الكتاب لأنها تمّت أمام البشر، فامتحنوها بحواسهم وبنوا إيمانهم على شهادة حواسهم. ولو بقي الخمسة الآلاف جياعاً بعد إطعامهم الأرغفة الخمسة والسمكتين لما صدقوا المعجزة، وكذلك لو بقي لعازر ميتاً في القبر لما صدقوا إن المسيح أقامه. والمسيح بقوله «جسوني وانظروا» استشهد بالحواس (لو 24: 39، 40 ويو 20: 27).
(3) يناقض العقل: لأنه يُلزمه أن يسلم بلا برهان بأمرٍ لم يذكره الوحي، ولو كان صحيحاً لوجب أن يكون عليه دليلٌ واضحٌ مقنعٌ. فمن المستحيل أن يتغير الجوهر مع بقاء الأعراض المادية على حالها. ونحن لا ننكر قدرة الله على تحويل خبز أو حجر أو حديد إلى لحم، لكننا نقول إنه في حالة حدوث ذلك تتغيَّر الأعراض مع الجوهر. ونقول أيضاً إن العهد القديم ينهى عن أكل الدم أوشربه، خصوصاً دم البشر، فيحقّ لنا أن نسأل: هل أجاز الله أكل لحم البشر في زماننا وأعلن جواز شرب دمهم؟ وإذا أكلنا جسد المسيح وشربنا دمه بموجب تعليم الاستحالة، فماذا يا ترى يحدث بعد ذلك؟ لأننا إذا أخذنا المسيح في أجسادنا حقيقة، فهل تتصرف الطبيعة بحسب عادتها، أو هل يتخلّص المسيح من هذا المصير بمعجزة خاصة؟ والعقل البشري ينفر من التأمل في مثل هذه الأفكار!
ونسأل أيضاً: قال المسيح «هذا هو جسدي المكسور لأجلكم» فإذا حدث حقيقة أن الخبز والخمر تحوّلا إلى جسد المسيح ودمه عندما وضع المسيح هذا السر، فهل انكسر جسده وهل سُفك دمه وهو لم يزل حياً أمام تلاميذه؟ فيكون قد مات وهو مع تلاميذه في العلية قبل صلبه بعدة ساعات! فكيف كان جسده مكسوراً وميتاً ودمه مسفوكاً مع وجوده حياً أمامهم؟!
ومن ذلك أن الإنجيل يقول إن جسد المسيح بعد قيامته تغير وصعد إلى السماء في غاية المجد، وهو لا يزال ممجَّداً في جسده. ورأيناه في وقت التجلي أخذ هيئة لا تحتملها العين البشرية بسبب لمعانها وبهائها السماوي. فإذا صار المسيح على هذه الهيئة الآن فهل يترك مجده السماوي كلما حدث قُدّاس على الأرض، ويحضر بهيئة لا تختلف عن ظواهر الخبز؟! وحين يحضر القداديس الأرضية، هل تفرغ السماء منه، أو هل تتكاثر ظهوراته في الأرض، مع وجوده الدائم في السماء؟!
ويقول الإنجيل في وضع العشاء الرباني إن المسيح أخذ خبزاً وبارك وكسر وأعطى تلاميذه وقال «خذوا كلوا هذا هو جسدي» (مت 26:26). فماذا صار يا ترى حينئذ؟ هل أخذ المسيح جسده في يده ووزعه على التلاميذ؟ وهل كان جالساً في كمال جسده ومع ذلك أمسك جسده بيده في ذلك الوقت عينه؟ وهل فهم التلاميذ كلامه على هذا المعنى وحسبوا الخبز جسده الحقيقي الجالس أمام عيونهم؟! وكل ذلك حمل ثقيل على العقل السليم يخالف كل أحكامه.
(4) تعليم الاستحالة يناقض تعليم الكتاب المقدس: (أ) تفسير قول المسيح «هذا هو جسدي» بمعنى حرفي هو تفسيرٌ غير صحيح، لأن قصد المسيح في هذا الكلام البسيط هو أن الخبز يرمز إلى جسده الذي كان سيقدّمه ذبيحة عن الخطية، وقد استخدمه ليكون علامة محسوسة تدل على جسده، وليذكّر المشتركين بذلك. وقد ورد المجاز كثيراً في الكتاب على هذا الأسلوب. والاصطلاح المجازي موجودٌ في كل لغات البشر، ومن أمثلته في الكتاب المقدس «يهوذا جرو أسد.. يساكر حمار جسيم.. نفتالي أُيَّلة مُسيَّبة.. يوسف غصن شجرة مثمرة» (تك 49: 9، 14، 21، 22). و«الرب صخرتي». و«الرب الله شمس ومجن» و«كلامك سراج» (مز 18: 2 و84: 11 و119: 105). و«هذه العظام هي كل بيت إسرائيل» (حز 37: 11). و«فأنت هذا الرأس من ذهب.. وهذه الحيوانات العظيمة هي أربعة ملوك.. والتيس العافي ملك اليونان» (دا 2: 38 و7: 17 و8: 21 قارن تك 40: 12، 18 و41: 26، 27). و«أنتم ملح الأرض. أنتم نور العالم» (مت 5: 13، 14). و«أنا هو خبز الحياة. وأنا باب الخراف. وأنا الكرمة وأنتم الأغصان» (يو 6: 35 و10: 7 و15: 5). و«الصخرة كانت المسيح» (1كو 10: 4). و«هاجر جبل سيناء في العربية» (غل 4: 25 قارن رؤ 1: 20 و17: 12، 18 و19: 8 و22: 16).
فقول المسيح «هذا هو جسدي» هو اصطلاح روحي رمزي، ولذلك بقي تلاميذ المسيح قروناً يقرأون هذا القول ويمارسون هذا السر دون أن تخطر الاستحالة على بالهم! (ب) علّمنا الكتاب أن جسد المسيح صعد إلى السماء وسيبقى هناك إلى أن يجيء ثانية، بدليل قوله «الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء» (أع 3: 21). وقوله «إذاً نحن من الآن لا نعرف أحداً حسب الجسد. وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد، لكن الآن لا نعرفه أيضاً» (2كو 5: 16). وقوله «إن كنتم قد قمتُم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله» (كو 3: 1). فجسد المسيح بموجب هذه الآيات في السماء إلى أن يجيء ثانية. ومن خواص الجسد أنه لا يشغل مكانين في وقتٍ واحدٍ، وقد قيل عن المسيح نفسه بعد قيامته «ليس هو هنا لأنه قام» (مت 28: 6). فالمسيح لم يقم بجسده في أماكن كثيرة في وقت واحد كما يظهر من أقوال الكتاب في جسده بعد قيامته من الأموات (لو 24: 39 و40 ويو 20: 27). (ج) حوّلت الكنيسة التقليدية أقوال المسيح في يوحنا 6 إلى برهان على تعليم الاستحالة، مع أنه ليس في هذا الأصحاح ما يشير إلى العشاء الرباني، بل إن المسيح دعا نفسه فيه «خبز الحياة» و«الخبز النازل من السماء» ليوضح علاقته بالمؤمنين باستعارة الخبز وفائدته في التغذية التي تقوم بها الحياة. وقدم المسيح نفسه للعالم لنأكل منه بالإيمان روحياً كما نأكل من الخبز جسدياً. ولم يشر المسيح بأقواله في يوحنا 6 للعشاء الرباني الذي لم يكن قد وضعه بعد. وحينما قال السامعون «يا سيد أعطنا في كل حين هذا الخبز» قال لهم «أنا هو خبز الحياة. من يُقبِل إليَّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً» (يو 6: 34، 35). فاعتبر المسيح أكل جسده والإقبال إليه والإيمان به بمعنى واحد.
ولئن صحّ أن عشاء الرب هو المقصود من قول المسيح «إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم» (يو 6: 53) تكون النتيجة أن كل من لا يشترك فيه ليس له حياة أبدية. ويكون أن اللص التائب على الصليب قد هلك لأنه لم يأكل جسد المسيح كما هو مقدَّم في عشاء الرب، وكذلك أطفال بلا عدد لا ينالون الخلاص لأنهم لم يتناولوا! فتخصيص كلام المسيح في هذا الأصحاح بسر الأفخارستيا يُفضي إلى نتائج تخالف نفس الاعتقاد التقليدي. وكذلك إذا صحّ أن عشاء الرب هو المقصود من قول المسيح «إن أكل أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير» (آيتا 51، 54) يكون المعنى أن كثيرين كانوا في حضن الكنيسة التقليدية وخرجوا منها وصاروا إنجيليين، مثل لوثر وألوف مثله قد نالوا الحياة الأبدية، لأنهم تناولوا في الكنيسة التقليدية. وهذا يخالف رأي الكنيسة التقليدية! ويقول المسيح في يو 6: 63، 64. «الروح هو الذي يحيي، أما الجسد فلا يفيد شيئاً. الكلام الذي أكلّمكم به هو روح وحياة، ولكن منكم قوم لا يؤمنون». (د) أقوال المسيح عند وضع السر تمنعنا من قبول التعليم الحرفي إن العناصر صارت جسده حقيقةً، لأن المسيح بعد ما قال «هذا هو جسدي» و«هذا هو دمي» قال أيضاً «من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديداً في ملكوت أبي» (مت 26: 29). وهذا دليل قاطع على أن المسيح اعتبر الخمر بعد صلاته عليها لا تزال خمراً. وكذلك قال الرسول بعد تكريس العناصر «الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح؟» (1كو 10: 16). وهذا برهان على أن الرسول اعتبر الخبز بعد كسره لا يزال خبزاً. وكذلك دعا الرسول الخبز «خبزاً» بعد تكريسه، والكأس «كأساً» (1كو 11: 23-26).
(5) ينتج عن تعليم الاستحالة نتائج مضرة. فليس هذا التعليم ضلالاً فقط، لكنه يؤدي إلى ضلالٍ أبعد منه، مثل: (أ) عبادة العناصر عبادة أصنامية، لأنها عبادة دينية لمادة بسيطة. فلو صحَّت الاستحالة لوُجد المسيح حقيقةً في الخبز والخمر، ولجاز السجود لهما! ولكن إذا لم يصح شيءٌ من تعليم الاستحالة فتلك العبادة أصنامية! (ب) تقديم جسد المسيح بعد الاستحالة المزعومة ذبيحة كفارية لأجل خطايا الأحياء والأموات، وهذه الذبيحة (على قولهم) لا تختلف عن ذبيحة الصليب معنى وفاعلية. ولا يخفى أن في ذلك إهانة هائلة لذبيحة المسيح الحقيقية، لأن الكنيسة التقليدية تعلم لزوم تكرار ذبيحة المسيح في ذبيحة القداس، التي تحسبها وسيلةً لرفع الدينونة عن الأحياء (وعن أهل المطهر في الاعتقاد الكاثوليكي). على أن ذبيحة المسيح بموجب تعاليم الكتاب لا تتكرر، بل هي وحدها كافية ولها فاعلية دائمة وغير محدودة. (ج) هذا التعليم يؤدي إلى رفض الوحي والدين والحق، لأنه يلزِم العقل البشري بقبول التعليم بلا برهان، وقبول معجزات كثيرة بدون دليل، بل لمجرد سلطان الكنيسة وباسم الديانة.
ونحن نقول إن المسيح لما تأنس لم تستحِل ألوهيته إلى الإنسانية ولا إنسانيته إلى الألوهية، ولا بعد صعوده إلى السماء. فكيف يصير الخبز إلهاً حينما يصعد على أيادي القسوس؟ وأية قوة في أيديهم حتى يصنعوا من تراب الأرض (الخبز والخمر) إلهاً خالق السموات والأرض؟ وأية علامة عندهم لإثبات ذلك؟
نقول أيضاً إنه لا يمكن وجود جسم مادي مخلوق في مكانين معاً في وقت واحد. والمسيح الإله المتجسد لما كان على الأرض لم يكن قط في مكانين معاً في وقت واحد. فكيف يحضر جسده بعد صعوده إلى السماء في ألوف الأمكنة في دقيقة واحدة؟
نقول أيضاً إن الجسد والدم يؤكلان، وأما اللاهوت والنفس اللذان (على زعمهم) يوجدان في القربان، فكيف يمكن أكلهما وهما روحيان؟ وربما يوجد من يقول إن في الديانة بعض أمور عسرة الفهم تفوق العقل البشري، ومنها مسألة الاستحالة. ونحن نقبل هذا، غير أن ذلك يكون في ما يخص جوهر اللاهوت لا خبز القربان الذي هو عنصر التراب، الذي قال عنه السيد المسيح «اصنعوه لذكري» لا «اعبدوه عوضاً عني».
26 - ما هو القول الصحيح في لزوم سرَّي المعمودية والعشاء الرباني لخلاص النفس؟
* يعلّمنا الكتاب المقدس أن ممارسة السرين واجبة، ولكنهما ليسا واسطتين ضروريتين للخلاص. فقد يمكن الخلاص بدونهما. ولكن الكنيسة التقليدية تعتقد وتعلّم أن الأسرار وسائط لازمة للنعمة، بمعنى أن الفوائد التي يُشار بها إليها لا يمكن نوالها بدون ممارستها. فلا تكون مغفرة خطايا ولا تجديد بدون معمودية، ولا قبول جسد المسيح ودمه لغذائنا الروحي ونمونا في النعمة بدون الاستحالة، ولا تكون مغفرة للخطايا التي تُرتكب بعد المعمودية إلا بواسطة الكاهن وذبيحة القداس وسر التوبة، ولا نعمة للرسامة إلا إذا كانت قانونية، ولا استعداد لائق للموت إلا بالمسحة المقدسة.
ولا تعلّم الكنيسة التقليدية بضرورة جميع أسرارها السبعة للخلاص، بل أن كلاً منها لازم لنوال النعمة التي تُقصد به. فقالت: لا نعمة من الرسامة إلا بأنها على قانونها، وإن سر التوبة لا يلزم إلا عند ارتكاب الخطية بعد المعمودية، وسر الأفخارستيا (الذي يعتبرونه أعظمها) ليس ضرورياً للأطفال، ولكن المعمودية عندهم هي الطريقة الوحيدة للحصول على مغفرة الخطايا والتجديد، وحِلَّة الكاهن لازمة لمغفرة الخطايا بعد المعمودية. وهذا المبدأ يؤدي إلى نتائج مخيفة، فبحسبه يخرج كثيرون من المعترفين بالمسيح من الشهداء من ملكوت السموات. ولذلك قالوا إنه متى استحال قبول الأسرار لسبب خارجٍ عن الإرادة، تُغني رغبة الشخص في قبولها عن ممارستها، وهو ما يُسمى «معمودية الاشتهاء» أو «معمودية الدم» فالأولى كناية عن الرغبة في نوال السر، والثانية عن سفك الدم قبل الموت من أجل الإيمان، أو فضيلة أخرى مسيحية.
غير أن هذا الاستثناء لا يصح على الأطفال، ولذلك لا يمكن أن يتمتعوا بفوائد الأسرار! فغير المعتمدين كلهم يقصرون عن نوال الحياة الأبدية. فلا يقدر أحد أن يخلص (عندهم) ما لم يمت في حضن الكنيسة الحقيقية، وليس في حضن الكنيسة إلا المعمَّدون، والحافظون لسر التوبة، والخاضعون للأساقفة القانونيين.
ولنبرهن أن الأسرار ليست الوسائط الوحيدة للخلاص نقول:
(1) هذا القول يناقض تعاليم الكتاب الواضحة، ومنها أن الله ينظر إلى القلب، وأنه لا يطلب من البشر الساقطين إلا الإيمان بالمسيح والتوبة إلى الله، وهما الشرطان اللازمان للخلاص، وأن جميع البشر لهم قدوم إلى الله بواسطة فداء المسيح ليقبلوا منه غفران الخطايا وكل فوائد موته، وأنهم لا يحتاجون إلى توسُّط الكهنة لذلك القدوم أو لنوال تلك الفوائد، وأن الطقوس الخارجية لا قوة لها في ذاتها على منح النعمة. والدليل على ذلك قول المسيح «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكيلا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية». و«من يؤمن به لا يُدان، والذي لا يؤمن قد دين». وقيل أيضاً «آمِن بالرب فتخلص» و«كل من يدعو باسم الرب يخلص» و«كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد وُلد من الله». وإذ لا يمكن أن يُنقَض الكتاب فلا يمكن أن الذي يؤمن إيماناً صحيحاً بما أعلنه الله في شأن ابنه، ويتوب توبة قلبية لا ينال الحياة الأبدية، فإننا نصير أولاد الله بالإيمان بالمسيح. نعم أمرنا الرب أن نعتمد، كما أمرنا أن نعترف بالمسيح قدام الناس، وأن نحب إخوتنا، ولكن هذه من الواجبات التي يلزم الإيمان بطاعتها، وليست وسائط الخلاص.
(2) هذا التعليم يناقض روح الديانة المسيحية، فإن الله روح، وهو يطلب من الذين يعبدونه أن يعبدوه بالروح والحق، وقيل إن الطقوس الخارجية ليست بشيءٍ، وإن الختان لا ينفع شيئاً ولا الغرلة، و«ليس اليهودي في الظاهر يهودياً ولا الختان الظاهر في اللحم ختاناً، بل اليهودي في الداخل هو اليهودي، وختان القلب بالروح لا بالحرف هو الختان، الذي مدحه ليس من الناس بل من الله» (رو 2: 28، 29). فالمسيحي في الظاهر فقط ليس مسيحياً، والمعمودية التي تخلّص ليست غسل الجسد بماء، بل ترجيع النفس إلى الله (1بط 3: 21). والاعتقاد أن حالة الإنسان أمام الله تتوقف على شيء خارجي، كالجنسية أو عضوية كنيسة أو طائفة، أو ممارسة طقس أو نظام احتفالي، خطأ بحسب الإنجيل، ولم يدخل في الديانة اليهودية إلا في نظام الفريسيين الفاسد.
(3) هذا التعليم يؤدي إلى انحطاط الديانة الروحية، لأنه نظام طقسي يجعل الأسرار وسائط وحيدة للنعمة، ويحسبها وحدها لازمة للخلاص. والسؤال العظيم في بحثنا مع الطقسيين هو: هل يتوقف خلاص الإنسان على الطقوس الخارجية أو على حالته الداخلية؟ وهل نخلص بالأسرار أو بالإيمان؟ فالرسول علّمنا أنه «في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة» (غل 6: 15).
27 - ما هو السر، وكم عدد الأسرار؟
* السر هو رمز مقدس وختم لعهد النعمة، أقامه الله رأساً للدلالة على المسيح وفوائده، ولإثبات نصيبنا فيه، وأيضاً لوضع فرق ظاهر بين أعضاء الكنيسة وسائرالعالم، ولأجل ربطهم بخدمة الله في المسيح حسب كلمته. وتصير الأسرار وسائط فعالة للخلاص، ليس بقوة في ذاتها، ولا في خادمها، ولكن بمجرد بركة المسيح وفعل روحه القدوس في الذين يقبلونها بالإيمان.
أما اعتقاد الكنيسة التقليدية في الأسرار فهو أن السر يتضمن النعمة التي يدل عليها، وأنها تُمنَح بواسطة العمل الخارجي، أي أن في الأسرار قوة حقيقية ذاتية تجعلها فعالة في توصيل الفوائد الخلاصية إلى الذين يقبلونها. (انظر إجابة س 25 من هذا الفصل).
وقد أجمع المسيحيون على أن المعمودية والعشاء الرباني سرّان أو فريضتان، لأربعة أسباب:
(1) إنهما طقسان فرضهما المسيح.
(2) يدل كلاهما في نفسه على معنى، فالمعمودية تدل على التطهير بفعل الروح القدس، ويدل العشاء الرباني على الفداء بالمسيح والغذاء الروحي.
(3) إنهما فرضان دائمان، عُيِّنا للرمز، والتعليم، والختم. ولذلك هما للتثبيت والتقوية، ويفيدان الذين يقبلونهما بالإيمان.
وقد زاد التقليديون خمسة أسرار على السرين اللذين وضعهما المسيح، فصارت سبعة. وقد أثبتت الكنيسة الكاثوليكية أن الأسرار سبعة في المجمع التريدنتيني، مع أن ذلك لم يُعرف في مجامع الكنيسة قبل المجمع الفلورنسي (سنة 1439م) ولم يُصرح بقانونيته حتى الجلسة السابعة من المجمع التريدنتيني (سنة 1547م). وهذه هي الأسرار الخمسة الزائدة:
(1) التثبيت: وهو الخدمة المرافِقة لإدخال المعتمدين في طفوليتهم إلى شركة الكنيسة، وقد رُسم في القرون الأولى للكنيسة وبقي زماناً طويلاً بين الإنجيليين مثلما كان بين التقليديين، فإن الذين يُعمَّدون في طفوليتهم يحسَبون من الكنيسة (بناءً على تصريح والديهم أو أشابينهم) بإيمانهم وتكليفهم بواجباتهم. ومتى بلغوا سن التمييز كانوا يفحصون معرفتهم وسلوكهم، فإذا وُجدوا متعلمين جيداً وخالين من اللوم يأخذون على أنفسهم واجبات تعهدهم في المعمودية، وحينئذ تثبت عضويتهم في الكنيسة.
(2) التوبة: وقسمها التقليديون إلى فضيلة وإلى سر، وقالوا إن النوع الأول يقوم بالحزن على الخطية والعزم على تركها وقصد التكفير عنها. والنوع الثاني هو نظام رتَّبه المسيح لمغفرة الخطايا المرتكبة بعد المعمودية بواسطة حِلَّة كاهن ذي سلطان، وإيفاء الخاطئ عن نفسه العدل الإلهي. فمادة السر هي عمل التائب الذي يتضمن الندامة والاعتراف وإيفاء القانون. ويُراد بالندامة الحزن أو الأسف. والاعتراف المتضمَّن في هذا السر يقتضي أن يكون شفاهياً للكاهن (الأمر الذي لم يُعرف قانونياً قبل المجمع اللاتراني الرابع سنة 1215م) ويتضمن كل الخطايا المميتة. والخطية التي لا يعترف بها صاحبها لا تُغفر له. وصرح في المجمع التريدنتيني أن هذا الاعتراف مع اعتبار سر التوبة ضروري للخلاص. والقول إنه لا يمكن أن تُغفر خطية تُرتكب بعد المعمودية بدون أن يعترف بها مرتكبها للكاهن الذي له سلطان الحل والربط، يعني أن كفارة المسيح المجيدة صارت خالية من الفائدة (انظر فصل 41 س 10).
(3) الرسامة: وجعلوها سراً لاعتقادهم أن المسيح رتبها وأمر بها، وأنها وسيلة لنوال سلطان فائق الطبيعة على تقديس جسده ودمه (في التناول) وعلى مغفرة الخطايا. وعندهم أن الحق والسلطان على الرسامة يختصان برؤساء الكهنة أو الأساقفة لأن لهم وحدهم الامتياز الرسولي أن يمنحوا الروح القدس بوضع أياديهم. ولكننا نعلم أنه لم يكن للرسل سلطان إلا على منح القدرة على عمل المعجزات، ولم يدّعوا استعمال السلطان على منح قوة الروح القدس في الخلاص والتقديس.
(4) الزيجة: وحسبوها سراً لأنها وإن لم يرسمها المسيح، فقد أُشير بها إلى الاتحاد السري بين الكنيسة ورأسها الإلهي. ولأنها إذا تُمِّمت كما يجب كانت وسيلة إلى حلول النعمة الإلهية على الزوجين.
(5) المسحة المقدسة: وتعرَّف بأنها سر تحل فيه النعمة بواسطة المسح بالزيت والصلاة المكتوبة بخدمة الكاهن على المعتمد الذي يمرض مرضاً خطيراً، وتُغفر خطاياه وتزداد قوة نفسه.