الفصل الخامس
اعتقادات التقليديين
1 - من هم التقليديون؟
* هم الذين يؤمنون بسلطان الكتاب المقدس بالإضافة إلى تقاليد الآباء. والتقليد (عندهم) هو ما تسلّموه وتداولوه خلَفاً عن سلف، من العقائد والشعائر الدينية، مشافهةً، مما لم يُكتب في الأسفار المنزلة.
2 - ما هو ملخَّص تعليم التقليديين؟
* يتلخص في ثلاثة أمور:
(1) رفض تعليم العقليين الذين يجعلون عقل الإنسان مصدر معرفة الحق ومقياسه، ويعتقدون أن الإيمان يجب أن يُبنى على إعلان الله وشهادته، وأن الإيمان المبني على أساسٍ بشري هو بشري فقط.
(2) يرفضون رأي الباطنيين (انظر فصل4) ويؤمنون باحتياجهم لإعلانٍ إلهي مُرسل إليهم من خارج نفوسهم.
(3) يعتقدون أن بعض ما أعلنه الله مكتوب وبعضه غير مكتوب، ولذلك يشمل قانون إيمانهم الكتاب المقدس والتقليد. وهم يعتقدون أن الشعب لا يقدر أن يميّز الكتب الإلهية عن غيرها ولا التقليدات، ولا أن يفسر الكتاب، لذلك أقام الله له الكنيسة معلّمةً معصومة. وهي تحكم في كل ذلك حكماً قاطعاً معصوماً.
3 - ما هي تعاليم التقليديين التي ينبغي البحث فيها؟
* (1) تعليمهم في الكتاب المقدس.
(2) تعليمهم في التقليد.
(3) تعليمهم في الكنيسة أنها معلِّمة معصومة ذات سلطان.
4 - ما هما الأمران الصحيحان في تعليم التقليديين عن الكتاب المقدس؟
* (1) أنه موحى به من الله ومنزَّه عن الخطأ. قال المجمع التريدنتيني: «الله هو مؤلف الكتاب، وأنه كُتب بتلقين الروح القدس».
(2) قانونية جميع الأسفار التي يعتقد الإنجيليون بقانونيتها.
5 – في أي أمور يختلف التقليديون مع الإنجيليين في شأن الكتاب المقدس؟
* (1) يعتقد التقليديون بقانونية أسفار الأبوكريفا.
(2) يزعمون أن بعض التعاليم الضرورية ليست واضحةً في الكتاب المقدس بالكفاية، وبعضها جاء فيه تلميحاً فقط، وبعضها لا وجود له مطلقاً فيه.
(3) يعتقدون أن الكتاب المقدس صعبٌ ومبهَم، لا يمكن فهمه بدون مفسّر منظور معصوم من الخطأ، هو الكنيسة.
أما الإنجيليون فيعتقدون أن الجميع يمكنهم أن يفهموا من الكتاب، بإرشاد الروح القدس، كل ما يحتاجونه لخلاصهم، لأنه منزَل لكل إنسان، وأن لهم الحق أن يقرأوه ويفحصوا عن معناه الحقيقي، بل يجب أن يفعلوا هذا.
6 - ما هي الأمور التي يعتبر التقليديون أنها تحتاج إلى إثبات من التقليد؟
* هي: (1) قانونية الأسفار. (2) إلهام كاتبيها. (3) تعليم التثليث. (4) التعليم عن الروح القدس. (5) معمودية الأطفال. (6) إبدال السبت بالأحد. (7) درجات الإكليروس. (8) رياسة الأساقفة. (9) دوام الرسولية. (10) حلول الروح القدس عند رسامة رجال الدين. (11) أن العشاء الرباني ذبيحة. (12) الأسرار السبعة. (13) المطهر.
7 -
ما هي الشروط اللازمة لقبول تقليدٍ ما على أنه جزءٌ من إعلانات الله؟
* شرطا ذلك:
(1) أن يتضمّن التعليم التقليدي حقاً مُعلَناً من الله لخلاص الإنسان أو إرشاده في
ما يؤول لخلاصه.
(2) أن يكون صحيحاً في نفسه، وأن يكون الإيمان به ضرورياً.
ولكن إذا راجعنا الأمور الثلاثة عشر التي أوردناها في السؤال السابق، لا نرى شيئاً
منها اجتمع فيه هذان الشرطان. فهي إما ليست من الحقائق الإلهية المعلِنة لخلاص
البشر، أو أنها غير صحيحة في نفسها، أو أنها موجودة في الكتاب المقدس.
ولئلا يتوهم القارئ أن إثبات أول تلك القضايا (وهي قانونية الأسفار) ليس له سند إلا
من شهادة التقليد، نقول إن قانونية كل سفرٍ من الأسفار المقدسة مسندة بأدلة كافية
كثيرة، منها شهادة أهل القرون الأولى للكنيسة المسيحية، الذين كانت لهم وسائط تحقق
ذلك. ولكننا لا نعتمد على هذا الدليل وحده، ولا نعتبر تلك الشهادة تساوي التسليم
بسلطان التقاليد. فإذا فحصنا جميع تلك القضايا لا نرى لها لزوماً. وإذا رأينا
لزومها نرى أنها مبرهنة بالبراهين الكافية من الكتاب نفسه.
8 - ما هو الردّ على التعليم بقانونية الأبوكريفا، ونقص الكتاب المقدس؟
* انظر إجابتنا في فصل 6 س 3. وأما مِن جهة نقص الكتاب المقدس واحتياجه إلى مفسّر معصوم فسنبيّن عدم صحة ذلك في الفصل القادم، وفي هذا الفصل س 11-19.
9 - ما المقصود بأن الكتاب المقدس بعهديه هو القانون الوحيد المعصوم للإيمان والعمل؟
* المقصود أنه يتضمن جميع ما شاء الله أن يعلنه للبشر من الأوامر والنواهي والتعاليم. ولما كان هو الكتاب الوحيد المكتوب بسلطان الله وإلهام روحه، والذي يتضمّن كل ما تقدم، كان هو القانون أو الدستور الوحيد للبشر للإيمان والعمل. أما التقليديون فيعتقدون أن القانون المعصوم يشمل الكتاب المقدس، وأسفار الأبوكريفا، والتقاليد التي يقولون إنها تعاليم غير مكتوبة تسلّموها من المسيح والرسل، وتداولوها خلفاً عن سلف، وإنها لازمة لسببين:
(1) لأنها تعلّمهم أشياء كثيرة ليست في الكتاب المقدس.
(2) لأنها توضح معاني الكتاب المقدس وتفسّره التفسير الصحيح.
10 - ما هي شروط القانون المعصوم في الإيمان والعمل؟
* شروطه أن يكون قد كُتب بإلهام الروح القدس، فيكون كاملاً ونافعاً للجميع. ونجد هذا كله في الكتاب المقدس كما سنبيّن في الفصل القادم.
11 - ما معنى اللفظ اليوناني المترجم للعربية بكلمة «تقليد»؟
* هو تسليم أمرٍ أو قولٍ من واحدٍ لآخر. وهو أيضاً الشيء أو الخبر المنقول أو المسلَّم. وجاءت في العهد الجديد بثلاثة معانٍ:
(1) التعاليم المنقولة من واحدٍ إلى آخر، سواء نُقلت شفاهاً أم كتابةً (2تس 2: 15).
(2) التعاليم أو الأخبار المنقولة شفاهاً عن الآباء جيلاً بعد آخر والمحسوبة عند البعض ذات سلطان، مثل تقاليد الفريسيين التي ذكرها المسيح.
(3) الديانة اليهودية على وجه العموم، وما دوِّن منها في الكتاب المقدس، وما كان متداولاً شفاهاً بين اليهود. ومن أمثلة ذلك قول بولس: «إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي» (غل 1: 14).
12 – كيف فهمت الكنيسة المسيحية الأولى كلمة «تقليد»؟
* استخدمت الكنيسة الأولى هذه الكلمة لكل ما وصل إليها من التعاليم الإلهية من المسيح ورسله، سواء كان كتابةً أم شفاهاً، لأنها لم تكن تملك حينئذٍ تعاليم مكتوبة من الرسل، إلا رسائل لبعض الكنائس. فلما جُمعت أسفار العهد الجديد نحو منتصف القرن الثاني، وصارت قانوناً كاملاً للمسيحيين، أشار إليها الآباء بلفظ «تقليدات» أي التعاليم المنقولة عن المسيح ورسله. وسمّوا الأناجيل الأربعة »التقاليد الإنجيلية«، وسمّوا الرسائل »التقاليد الرسولية«، لأنه إلى ذلك الوقت لم يحدث ما يحملهم على التمييز بين التعاليم المكتوبة وغير المكتوبة. وواضحٌ أن ما ذُكر من التقاليد غير المكتوبة من مؤلفات الآباء الأولين لم يكن عندهم مساوياً للأسفار المقدسة، ولا اعتقدوا بوحيه الإلهي. أما الذي سمّوه «تقليداً» فلا يشير إلى تقاليد غير مكتوبة، بل إلى أسفار الكتاب المقدس. ولكن بعد ذلك العصر حدثت مباحثات ومجادلات كثيرة حملتهم على التمييز بين التقاليد المكتوبة (وهي أسفار العهد الجديد القانونية) وبين التقاليد غير المكتوبة. فقبلوا القانون المكتوب وأهملوا التقاليد غير المكتوبة.
13 - ما هو تعليم التقليديين في شأن التقليد؟
* تعليمهم هو:
(1) إن المسيح ورسله علّموا أموراً كثيرة غير مكتوبة في الكتاب المقدس (وهذا صحيح).
(2) كانت التعاليم المسمَّاة بالتقليد تُسلَّم من جيل لآخر قرناً بعد قرن.
(3) إنها جزء من قانون الإيمان لكل المؤمنين.
(4) يُقال إن تلك التقاليد غير مكتوبة لعدم وجودها في الأسفار المقدسة. غير أنها كانت محفوظة في مؤلفات الآباء وقوانين المجامع وسجلات الكنيسة.
(5) تعالج وصايا وتعاليماً وطقوساً وفرائض وغيرها لم تُذكر في الكتاب، وتهتم بتفسير أمور مذكورة فيه.
(6) إنها تستحق نفس ما يستحقه الكتاب من الاعتبار، لأن مصدرهما واحد.
(7) يُعرَف صحيحها من كاذبها من قِدمه وعمومه وخاصةً من شهادة الكنيسة التي كل من يرفضها يهلك. وبالإجمال كل ما تقول الكنيسة إنه جزء من الوحي يجب قبوله بدون اعتراض.
14 - ما هي الأدلة التي استند إليها التقليديون ليثبتوا سلطان التقليد؟
* (1) إن الكتاب المقدس (على زعمهم) أشار إليه في 2تس 2: 15 و3: 6.
(2) إن الآباء الأولين صدَّقوا سلطانه وأسسوا إيمانهم عليه.
(3) عند معرفة سلطان التعليم الشفاهي للمسيح والرسل، نجده مماثلاً لسلطان تعليمهم المكتوب (وليس من ينكر ذلك من المسيحيين).
(4) ضرورة التقليد لأمرين: (أ) لأن الكتاب المقدس مبهم والتقليد يفسّره. (ب) لأن الكتاب المقدس ناقص كقانونٍ للإيمان والعمل، لعدم وجود تعاليم وفرائض ضرورية فيه، والتقليد يكمله.
(5) شرائع البشر منها ما هو مكتوب ومنها ما هو غير مكتوب ولكنه مسلَّم به عند الجميع. ولما كانت الشريعة الإلهية من جملة الشرائع، لزم أن يكون بعضها مكتوباً وبعضها غير مكتوب.
15 - ما هو الردّ على أقوال التقليديين هذه؟
* (1) نعم جاء لفظ «تقاليد» في كلام بولس لأهل تسالونيكي (2تس 2: 15 و3: 6). ولكن كل من يتأمل كلمات بولس يجد أن المقصود بها «كل ما علَّمهم إياه شفاهاً وكتابةً» لا غير. هذا فضلاً عن عدم وجود أمر في الكتاب المقدس بقبول التقاليد واعتبارها جزءاً من الإيمان. ونتيجةً لذلك فإننا لا نحتاج إلى غير ما جاء بالكتاب المقدس (2تي 3: 15-17). صحيحٌ إن ذلك قيل عن أسفار العهد القديم، ولكنه يصحّ على العهد الجديد أيضاً. وكذلك القول: «لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تُنقِصوا منه، لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها» (تث 4: 1، 2). «إلى الشريعة وإلى الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر» (إش 8: 20). «وكان هؤلاء أشرف (الذين في بيرية) من الذين في تسالونيكي، فقبلوا كلمة الله بكل نشاطٍ فاحصين الكتب كل يوم، هل هذه الأمور هكذا؟» (أع 17: 11) » لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوّة هذا الكتاب: إن كان أحدٌ يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحدٌ يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة، ومن المدينة المقدسة، ومن المكتوب في هذا الكتاب» (رؤ 22: 18، 19). «سراجٌ لرجلي كلامك ونور لسبيلي» (مز 119: 105) «إن بشرناكم نحن أو ملاكٌ من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما (أي محروماً)» (غلا 1: 8 ومز 19: 7 ورو 15: 4 ولو 16: 29 ويو 5: 39 وتث 6: 7 وإش 34: 16 و2بط 1: 19).
فبما أن الكتاب يشهد لنفسه أنه يتضمن إعلانات الله، ولا يرشدنا لمصدر آخر غيره، فلا داعي لقبول غيره ولا لزوم لذلك. وقول التقليديين إن تعليم الإنجيل في زمان الرسل كان شفاهاً لا يبرر تعليمهم بالتقليد، فقد قصد الله أن يكون الدستور الأبدي للإيمان محفوظاً كتابةً وغير متروك للنقل الشفاهي. وفي هذا تظهر حكمة الله ورحمته للبشر.
بل إننا نرى في الكتاب ما يدل على وجوب رفض التقاليد، فقد وبخ المسيح الفريسيين لأنهم اتكلوا عليها (مت 15: 3، 6 ومر 7:7).
(2) لا نظن أن الله يزيد التقاليد على الكتاب المقدس لتكون جزءاً ضرورياً من قانون الإيمان، لأن الكتاب صحيح وكامل وواضح، وتعاليمه محقَّقة، بخلاف التقاليد الشفاهية، فهي عرضة للتغيير والتحريف. نعم إن بعض الكنائس الإنجيلية تقبل بعض العوائد الكنسية التي تسلسلت منذ القِدَم في الكنيسة، والتي لا تناقض الكتاب المقدس، فقبلت عيد الفصح وعيد ميلاد المسيح وغيرهما. غير أنها لا تحسب ذلك ذا سلطان أو جزءاً من كلام الله. وكذلك يعتبر الإنجيليون أحكام المجامع أنها أقوالٌ قديمة وثمينة، ولكنهم لا يعتقدون أنها وحي. وهم يقبلون قوانين الإيمان القديمة المطابقة للكتاب، مثل قانون الرسل والقانون النيقوي، والقانون الأثناسي. غير أن منزلتها عندهم ليست مثل منزلة كلام الله، بل هي كلام أفاضل البشر عبّروا به عن تعاليم الله.
ولو أننا كنا في عصر المسيح ورسله لما ميَّزنا تعاليمهم الشفاهية عن تعاليمهم المكتوبة، فإننا نؤمن بالكتاب المقدس ليس لمجرد أنه مكتوب، بل لأنه وحده كلام الله. ولو تبيَّن لنا أن تقليداً ما هو من تعليم المسيح ورسله لقبلناه دون تردد، باعتباره جزءاً من الكتاب المقدس. فنحن لا نرفض التقاليد لمجرد أنها غير مكتوبة، بل لعدم إمكان إثبات أنها من الرسل.
(3) لا بد أن المسيح ورسله عملوا وعلَّموا أموراً كثيرة لم تُكتب في الكتاب المقدس، ومثال ذلك تفسير المسيح لتلميذي عمواس الأمور المختصة به في العهد القديم (لو 24: 27). ولا بد أن الله قصد بها خير الذين كانت لهم فقط، ولذلك لم يأمر بكتابتها وجعْلها جزءاً من قانون الإيمان. إنها كالأمطار التي هطلت في عصرهم لتروي الأرض في ذلك الزمان، ولم يُقصد جمعها لأجل الأجيال الآتية. ولا يخفى أنه ليس في طاقة البشر مطلقاً أن يحفظوا ما يسمعونه عن غيرهم ويتداولونه من واحدٍ لآخر بعد مرور سنة واحدة، فكم بالحري بعد بضع سنين، فمن المستحيل على البشر أن يتداولوا تعاليم سنة بعد سنة، وجيلاً بعد جيل، وقرناً بعد آخر وتبقى تلك التعاليم على حالها. ومما يزيد الأمر صعوبة أن التعاليم التي نحن بصددها تتعلق بأمور روحية وحقائق دينية يصعب فهمها جيداً على العقل البشري الساقط المظلم. فلا تجوز الثقة بصحة تقاليد دينية في مثل تلك الأحوال بدون براهين قاطعة على تدخُّل الله لحفظها من التحريف، وذلك مما يستحيل إثباته. ولذلك لجأت الكنائس التقليدية لإعلان أنها معصومة من الخطأ في التعليم، وأنها الواسطة التي بها يحفظ الله التقاليد على سلامتها الأصلية.
(4) يحتاج الاعتقاد بتدخل الله ليحفظ التقاليد إلى برهان قاطع ووعد إلهي، ولكن لا دليل لنا على حدوث ذلك ولا وعد لنا به. نعم وعد المسيح كنيسته بأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها، وبأنه يرسل روحه ليسكن مع شعبه ويرشدهم، وبأنه يكون معهم إلى انقضاء الدهر. ولكن هذه المواعيد ليست لجمهورٍ منظور تحت نظام واحد، ولا تدل على أن إحدى الكنائس المنظورة تكون معصومة من الخطأ في تعليمها وأعمالها، ولا على أن التعاليم غير المكتوبة بالوحي تُحفظ على حالتها قرناً بعد آخر، ولذلك لا يوثق بشيء من التقليد. صحيح أن الروح القدس يسكن في الكنيسة الحقيقية التي هي جماعة المؤمنين بالمسيح المتجددين بالروح القدس في كل زمان ومكان، وهو يعلّم ويرشد ويحثّ ويقدّس بواسطة كلام الله المكتوب. لكن الاعتقاد أن ليس لعمل الروح القدس علاقة بكلام الله المكتوب يُفضي إلى الفساد والتمسك بالأوهام الباطلة، كما تبيّن بالاختبار في كل تاريخ الكنيسة. وعلى كل من يثق بحلول الروح القدس فيه وإرشاده له أن يمتحن نفسه في نور إعلان كتاب الله ليتحقق هل هو فيه أم لا.
(5) بنى التقليديون سلطان تقاليدهم على شهادة التاريخ، وسلطان الكنيسة. وشهادة التاريخ للتقاليد ناقصة، فلم يجدوا في القرون الثلاثة الأولى بعد الرسل شهادة تاريخية تبرهن أحد تقاليدهم، بل وجدوا ما يناقضها، فلجأوا إلى الاستنتاج، وقالوا إن ما كان من التعاليم في القرنين الرابع والخامس لا بد من وجوده في القرن الثالث، وعلى ذلك لا بد من وجوده أيضاً في القرنين الثاني والأول. ثم استنتجوا أن مصدر تلك التقاليد هو المسيح والرسل. وواضح جداً أن هذا الاستنتاج خاطئ! هذا، مع أن الكتاب ينبئنا بدخول آراء فاسدة في الكنيسة سراً وينهانا عن قبولها. وقد بيَّن اللاهوتيون الإنجيليون أصل الكثير من التقاليد وكيفية نموها وتقدمها بالتدريج، وأثبتوا من أقوال الآباء الأولين أن تلك التعاليم الغريبة لم تكن معروفة في عهدهم، كما برهنوا أن النظام التقليدي نشأ بالتدريج من جيل لآخر حتى القرن السادس والسابع، وأن كل اجتهاد في بيان علاقة ذلك النظام بالمسيح ورسله غير وافٍ. وقد استمرت الكنيسة الكاثوليكية تفرض على تابعيها أن يؤمنوا أن العذراء مريم حُبل بها بلا دنس، وعصمة البابا والكنيسة في التعليم.
(6) يسلِّم بعض التقليديين أن الكنيسة أخطأت أحياناً بتصديقها بعض التقاليد التي لا دليل على أن الكنيسة الأولى قبلتها، بل يوجد ما يدل على أنها لم تقبلها. ومن أمثلة ذلك قبول الكنيسة أسفار الأبوكريفا بدعوى أنها مثبتة من شهادة الآباء والكنيسة، مع أن جميع الآباء (إلا ما ندر) يرفضون الأبوكريفا، ومنهم أوريجانوس الذي لم يذكرها في فهرسه للأسفار المقدسة، وكذلك أوسابيوس وكيرلس وروفينوس وأثناسيوس الذي رفض جميعها إلا كتاب باروخ لظنه أنه كتب موحى به. ورفض هيلاريوس جميعها وكذلك أبيفانيوس وغريغوريوس النازيانزي وأمفيلوجيوس وإيرونيموس (جيروم) ومجمع لاودكية. وقد قال البابا غريغوريوس الكبير (في القرن السادس) إن أسفار المكابيين لم تُكتب بإلهام، ولكن البابا بيوس التاسع (في القرن التاسع) قال إنها موحى بها! فمن منهما هو المعصوم؟ (بشأن أسفار الأبوكريفا انظر إجابة س 3 من الفصل التالي).
(7) كثيرٌ من تقاليد الكنائس التقليدية يخالف تعاليم الكتاب المقدس، ومن ذلك جواز تقديم العبادة الدينية للصور والتماثيل، وعدم زواج رجال الدين، واستحقاق الأعمال الصالحة، وغير ذلك. وهذه تخالف تعاليم الكتاب. وبما أنهم حاولوا إثباتها من التقاليد ينتج أن التقاليد تخالف الكتاب المقدس.
(8) لا يوجد مقياس لمعرفة صحيح التقاليد من خاطئها، فقد دخل في الأزمنة الغابرة في الكنيسة كثير من التقاليد التي تمسكوا بها، ثم تبيَّن أنها كاذبة فرفضوها. فإذا سلمنا بسلطان التقليد جعلنا الكنيسة عُرضةً لما لا نهاية له من الأخطاء. ويقول التقليديون إن التقليد الصحيح يُعرف دائماً من قِدمه والاتفاق فيه، غير أن هذا مرفوض لأسباب كثيرة: (أ) إذا فرضنا أن الكنائس التقليدية أجمعت على تقليد، فإن ذلك يكون قاصراً عليها وحدها، وليس لكل المسيحيين. (ب) إذا فرضنا أن التقليديين هم كل المسيحيين في العالم، وأنهم يتّفقون الآن في ما يعتقدونه، فلا دليل على أنهم كانوا دائماً يعتقدون نفس ما يعتقدونه الآن، بل بالعكس، لأن أكثر التعاليم التي حاولوا إثباتها بالتقاليد نشأت في الكنيسة في القرون الوسطى وما بعد ذلك. ومن أمثلة ذلك عصمة البابا، والغفرانات، والمطهر، والحبل بمريم العذراء بلا دنس، وغيرها. وأما من جهة اتفاقهم في قبول التعاليم الدينية فنقول إن الكنيسة الشرقية والغربية قبلت تعاليم أريوس مدةً طويلة، وأثبتها كثيرون من الرؤساء وبعض المجامع قبل أن تُرفض. وقبلت الكنيسة الغربية التعليم الأغسطيني وصدَّقت عليه بعض المجامع، وأثبته الباباوات. واختلفت الكنيسة عليه بعد أن قبلته! واستمر الخلاف فيها عليه مدة نحو 800 سنة، إلى أن صدَّق مجمع ترانت النظام المقبول عندهم الآن. فيتعذَّر على الكنائس التقليدية إثبات اتفاقها على الدوام في كثير من المواضيع الدينية. (ج) عدم كفاية ما يوردونه من الأدلة على دوام الاتفاق وعمومه، فقد قالوا بوجود قواعد للإيمان قبلتها كل الكنائس منذ القديم، مع أن كل الكنائس لم تقبل أي قاعدة بالإجماع قبل القرن الرابع. ويقبل الإنجيليون قوانين مجمع خلقدونية (458م) ومجمع القسطنطينية الثالث (681م) ولا يرفضون قوانين المجامع المسكونية الستة الأولى. ويستند التقليديون على كتابات الآباء، وتقول إنها تبرهن تقاليدهم، مع أن ما وصل إلينا من كتب الآباء من القرون الثلاثة الأولى ليس فيها ما يؤيد صدق تقليدٍ واحد! فإذا كانت البراهين على الاتفاق ناقصة فشهادة الكنيسة كافية! فكأن التقليدي يصدِّق الكنيسة، والكنيسة تصدق نفسها لأنها معصومة من الخطأ!
(9) يصعب على كل الشعب أن يعرفوا كل التقاليد، وهذا يبرهن عدم صلاحيتها لتكون قانوناً لهم، لأن قانون الإيمان يجب أن يكون في يد الشعب. ولكن التقاليد ليست مجموعةً في كتاب واحد بل متفرقة في صحف الكنيسة ودفاترها، فيلزم أن الشعب يقبله على شهادة الكنيسة، فيقبلون قانوناً لا يقدرون أن يجدوا أدلة صدقه. ومن تعليلات التقليديين لوجوب التقاليد أن الكتاب المقدس مبهَم وأن فهمه فوق طاقة الشعب، بل فوق طاقة الكنيسة نفسها بدون مساعدة التقاليد. وذلك غير صحيح، لأن الكتاب المقدس سهل الفهم.
(10) ينتج عن الاعتماد على التقاليد إهمال الكتاب المقدس، لأنه إذا وُجد قانونان متساويان في السلطان، وكان أحدهما يفسّر الآخر ويوضحه ويتسلط عليه، فلابد من الاعتماد على المفسِّر أكثر من الذي يحتاج للتفسير، فيكون إيمان الشعب مؤسَّساً على تفسير الإنسان للأقوال الإلهية لا على الإعلان الإلهي نفسه. فيصدق عليهم قول المسيح: »أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم».
(11) حاول التقليديون أن يثبتوا استناد الإنجيليين على التقليد، غير أن ذلك خلاف الواقع.
16 - ما هو اعتقاد التقليديين في الكنيسة؟
* الكنيسة عندهم هم من يعتقدون اعتقاداً واحداً، ويمارسون أسراراً واحدة، ويطيعون رؤساءهم الدينيين. فقولهم «يعتقدون اعتقاداً واحداً» يستبعد المعترضين والهراطقة، وقولهم «يمارسون أسراراً واحدة» يستبعد غير المعتمِدين. وقولهم «يطيعون رؤساءهم» يستبعد كل الذين يرفضون سلطة الرؤساء الدينيين.
وهذا التعريف غير مبني على معنى كلمة «كنيسة» في العهد الجديد، ولا على ما يعلّمه العهد الجديد عن الكنيسة، وفيه من الأخطاء ما يأتي:
(1) الكنيسة الموعودة بالإرشاد الإلهي هي جماعة منظورة منتظمة كالكنيسة الأرثوذكسية مثلاً، لا مجموع المتّحدين بالمسيح بالإيمان الحقيقي. فكلمة «كنيسة» في الكتاب المقدس تعني شعب الله المؤمن الذين قيل إن المسيح قدّم نفسه عنهم.
(2) ينبغي أن تقوم الكنيسة على النظام الكنسي وحده. وهو باطل، بدليل عدم تعيين الكتاب نظاماً خارجياً للكنيسة. فلم يقم الأساقفة (كما نراهم اليوم) كما نستدل من التاريخ إلا بعد عصر الرسل بزمان طويل، كما أن الرياسة دخلت الكنيسة بالتدريج، وهي غير مثبتة من الكتاب بل من التقليد، لأن بطرس لم يكن رئيساً بدليل مساواته بيعقوب ويوحنا (غل 2: 9)، وبدليل قول بولس إن بطرس مساوٍ لبقية الرسل في المواهب الروحية والسلطان، وبدليل عدم رئاسة بطرس لمجمع الرسل الذي التأم في أورشليم (أع 15)، وتوبيخ بولس لبطرس في أنطاكية (غل 2: 11-21). وحتى إن سلمنا برياسة بطرس على سائر الرسل، فلا ينتج عن ذلك انتقال هذه الرئاسة لمن خلفوه، كما أنه لا يوجد دليل على ذلك مطلقاً.
17 - ما هو اعتقاد التقليديين في عصمة الكنيسة وسلطانها في التعليم؟
* (1) يعتقدون أن الكنيسة جماعة من الناس تحت نظام واحد مُقامة من الله، فهي معلِّمة معصومة ذات سلطان.
(2) إنها مُعدَّة لهذه الوظيفة لأنها مؤتمَنة على كل إعلانات الله المكتوبة وغير المكتوبة، ولأن الروح القدس دائماً حاضر معها يرشدها ويحفظها من الخطأ في التعليم.
(3) تنحصر عصمتها في ما يختص بالإيمان والأخلاقيات، دون الأمور التاريخية والفلسفية والعلمية.
(4) تتركز عصمتها إما في جماعة الأساقفة وهم مجتمعون كخلفاء للرسل ليحكموا في مسائل دينية، وإما في البابا (الباباوات بالتتابع) لأنه نائب المسيح. غير أنهم يعتقدون أن عصمته لا تتجاوز وظيفته إلى شخصه، فهو عرضةٌ للخطأ في سائر أعماله وأفكاره كغيره من البشر. ولكنه عندما يتكلم في الأمور الدينية يكون آلةً في يد الروح القدس، ولذلك يكون معصوماً. وقد صدَّق المجمع الفاتيكاني (المنعقد في روما سنة 1870) على الاعتقاد بعصمة البابا باعتباره معلماً دينياً، وعلى عصمة وظيفته البابوية باعتباره رئيس الكنيسة.
وهذا التعليم يوافق ذوق أكثر البشر الذين لا يدرسون الكتاب المقدس،لأن الكنيسة (بموجب هذا التعليم) قادرة أن ترشدهم وتحررهم من المسؤولية الشخصية في أمور الدين، وتحكم في كل المسائل الدينية لأجلهم، وتخلّصهم من لزوم البحث عن ماهية الحق، وتؤكد لهم خلاصهم بمجرد خضوعهم لها، وتحمل عنهم الخطأ، وتوزع عليهم النعمة، وتفتح لهم باب السماء. ولو كان هذا الترتيب من عند الله لما تجاسرنا أن نرفضه.
18 - ما هي أدلة التقليديين على سلطان الكنيسة باعتبار أنها معلمةٌ معصومة؟
* (1) قولهم إن المسيح وعد الرسل وخلفاءهم حتى نهاية العالم أن يعطيهم العصمة والسلطان المبني عليها، ويستشهدون لذلك بما جاء في متى 16: 18-20 ولو 24: 47-49 ويو 16: 13 و20: 23.
(2) الوصية المعطاة للكنيسة أن تكون معلّمةً للعالم (مت 28: 19، 20 ولو 10: 16).
(3) قول الكتاب إن الكنيسة هي عمود الحق وقاعدته وإن أبواب الجحيم لن تقوى عليها.
(4) قولهم إن الله أعطى الكنيسة سلطان الحل والربط، وإن كل من لا يطيعها ينبغي أن يُعامل كوثني (مت 16: 19 و18: 15-18).
(5) قولهم إن الله أمر الكنيسة أن تميّز بين الحق والبطل، فلابد أنها أهلٌ وذات سلطان لذلك (2تس 3: 6 ورو 16: 17 و2يو 10).
(6) قولهم بلزوم مفسر وقاضٍ معصوم ليرشد البشر ويسد احتياجاتهم في أمور الدين.
(7) قولهم بلزوم وجود كنيسة تحمل هذه الصفة حتى تحفظ وحدة التعليم والاعتقاد، وتجمع البشر معاً في حظيرة واحدة تحت رعاية راعٍ واحد.
(8) استنادهم على القياس، وهو أن كل حكومة سياسية لها شريعة مكتوبة ورأس منظور ذو سلطان. والكنيسة هي حكومة منتظمة ذات شريعة، فلابد أن يكون لها أيضاً رأس منظور ذو سلطان.
19 - ما هي الأدلة على خطأ اعتقاد التقليديين بعصمة الكنيسة وسلطانها في التعليم؟
* (1) إنه مبني على مذهب خاطئ في ماهية الكنيسة. فقد توهّموا (كما توهم اليهود) أن الكنيسة جماعة منظورة ذات نظام واحد، وظنوا أن أمّتهم اليهودية حسب الجسد هي الكنيسة، وأن لها كل المواعيد الإلهية. غير أن المسيح وبّخهم على هذا الرأي (يو 8: 33-44 ومت 3: 9). وهاجمه الرسول بولس في رسالتيه إلى رومية وغلاطية حيث أثبت أن الوعد بالخلاص ليس لليهود فقط ولا لجماعة منظورة تحت نظام خارجي، وأن الخلاص لا يتوقّف على التسلسل من إبراهيم جسدياً، ولا على الختان، ولا على التمسك بالديانة اليهودية. وأثبت أيضاً أن جميع المؤمنين الحقيقيين هم أولاد إبراهيم وورثة له، وأن اليهودي في الخارج ليس هو اليهودي الحقيقي. وربما كان الإنسان يهودياً عبرانياً مختوناً في اليوم الثامن، وكان بلا عيبٍ من جهة البر الذي بالناموس، ولكنه لا ينتفع شيئاً من كل ذلك. وبناءً عليه بيَّن إمكانية رفض الله لليهود كأمة، دون أن يخالف عهده مع إبراهيم، لأن الوعد لم يكن لإسرائيل بحسب الجسد بل لإسرائيل بحسب الروح (غل 3: 7 وفي 3: 4-6 ورو 2: 28، 29 و9: 6-8).
لقد أخطأت الكنيسة التقليدية لما نقلت إلى نفسها ما قالته الأمة اليهودية عن نفسها، من أنها وارثة المواعيد وصاحبة حقوق الإنجيل، وإن من يتحد معها ويسير تحت نظامها ينال الخلاص، وإن جميع الذين ماتوا وسيموتون خارجاً عن حضنها لا يستحقون السماء، ولذلك يهلكون. ولا يخفى ما في ذلك من تمام المشابهة بين الرأي اليهودي (الذي أبطله المسيح ورسله) ورأي التقليديين في ماهية الكنيسة.
(2) ويتضح من تعليم المسيح ورسله في الكنيسة والمؤمنين بطلان عصمة الكنيسة وسلطانها: (أ) ليست الكنيسة الحقيقية بالضرورة نظاماً منظوراً، فهي لا تقوم بنظام منظور بل بإيمان أعضائها وصفاتهم الروحية. ويتضح هذا (1) من معنى كلمة «كنيسة» وكيفية استعمالها في الأصل اليوناني، فإنهما يدلان على أن المقصود بها جماعة المدعوين بروح الله، أي المتجددين في القلب (رو 1: 7 و8: 28 و9: 24 و1كو 1: 2 و7: 18-24 وغل 1: 15 وأف 1: 18 و2تي 1: 9 وعب 9: 5 و1بط 2: 9 و5: 10 و2بط 1: 10 ورؤ 17: 14). (2) من صفات الكنيسة، وما يختص بشعب الله المؤمنين الحقيقيين (يو 10: 27 وأف 5: 27 وكو 1: 18، 24 و1بط 2: 5). (3) من تسمية الكنيسة «قديسين» و«أهل بيت الله» و«أبناء النور» و«المختارين للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق» و«جنساً مختاراً وكهنوتاً ملكياً وأمة مقدسة» ونحو ذلك (1كو 1: 2 و30 و3: 16 و16: 1 و19 وأف 2: 3-8 و19-22 وكو 1: 21 و2: 10 و1تس 5: 4 و5 و2تس 2: 13 و1بط 2: 9). (ب) يسكن روح الله في المؤمنين بالحق فيجعلهم أعضاء الكنيسة الحقيقية غير المنظورة التي هي جسد المسيح، سواء اتحدوا بها تحت نظام خارجي أم لا، كاللص على الصليب الذي صار عضواً حياً فيها وخلص دون الدخول تحت نظام كنسي خارجي. وهذا يعني أن المؤمنين لا ينالون حقوق الكنيسة ومواعيدها بنظام خاص. (ج) شرط العضوية في الكنيسة هو الإيمان بالمسيح لا الانتماء لنظامٍ خارجي، فإن المؤمنين الحقيقيين هم أولاد الله وبنو الملكوت وورثة الموعد، سواء كانوا يهوداً أم أمماً، أحراراً أم عبيداً، بغض النظر عن علاقتهم الخارجية بنظام كنسي.
يؤمن الإنجيليون بوجود كنيسة منظورة عامة، أعضاؤها جميع المؤمنين الحقيقيين بالمسيح وأولادهم، يتحدون في العبادة والسهر بعضهم على بعض، ولهم رعاة روحيون حسب تعليم الكتاب. ولكن الكنيسة التي لها مواعيد المسيح لا تنحصر في جماعةٍ معلومة، فقد تسقط جماعة أو كنيسة، ولكن الكنيسة الحقيقية تبقى دائماً قائمة كما حدث في إسرائيل أيام النبي إيليا.
وأهم اختلاف بين الإنجيليين والتقليديين هو في تعريف الكنيسة، فإن صحّ قول الإنجيليين إن كل مؤمن حقيقي هو عضو حي في الكنيسة التي لها مواعيد المسيح بالإرشاد والحفظ، تسقط كل دعاوي التقليديين. فمن الواضح كتابياً أن كل صفات الكنيسة والمواعيد الممنوحة لها لا تَصدُق إلا على المؤمنين بالحق، وكذلك العلاقة بين الكنيسة والله والمسيح، لأنهم هم بنو الله وورثته وجسد المسيح الذين يسكن فيهم بروحه، وهيكل الله الحي، وعروس المسيح، وشركاء مجده، لا الذين ينتسبون لجماعةٍ منظورة.
(3) التعليم بعصمة الكنيسة وسلطانها مبنيٌّ على رأيٍ خاطئ في دوام الرسولية، فالتقليديون يعتقدون أن رؤساء الكنيسة هم الخلفاء القانونيون للرسل، وورثة امتيازاتهم وحقوقهم الرسولية، ولذلك خصّصوا الوعد بموهبة الروح القدس لأنفسهم. وهذا باطل، لأنه دعوى بدون برهان. ويتبيَّن بطلانه من أن عدد الرسل كان معيَّناً، واختارهم المسيح ليشهدوا بصحة تعليمه وحوادث حياته وموته وخاصة قيامته. وليكونوا أهلاً لذلك كان يجب: (أ) أن تكون لهم معرفة ذاتية كاملة بتعليم الإنجيل. (ب) أن يكونوا قد رأوا المسيح بعد قيامته (أع 1: 22). (ج) أن يكونوا ملهَمين من الروح القدس ليكونوا معصومين في تعليمهم. (د) أن يصدِّق الروح على رسالتهم بأن يكلّل تعبهم بالنجاح ويؤيدهم بالمعجزات المتنوعة والمواهب الروحية. وقد اجتمعت كل هذه الصفات والمواهب والمعجزات في الرسل الحقيقيين. ويتحدث الرسول بولس عن نفسه فيقول إنه مرسَل بيسوع المسيح (غل 1:1) وإنه لم يتعلم الإنجيل من الآخرين بل بإعلان خاص من المسيح (غل 1: 12) وإنه رأى المسيح بعد قيامته (أع 22: 8 و1كو 9: 1 و15: 8) وإنه موحى إليه ولذلك يجب قبول تعليمه كتعليم المسيح (1كو 14 :37) وإن الرب شهد له ولصحة رسالته كما شهد لرسالة بطرس (غل 2: 8) وإنه عمل كل أعمال الرسول من العجائب والآيات (2كو 12:12).
ويظهر جلياً من الإنجيل أن وظيفة الرسل وقتية غير قابلة للانتقال والتسلسل، وليس في الإنجيل أمرٌ باستمرارها خلافاً لغيرها من الوظائف الكنسيّة التي لدينا براهين على دوامها، ومنها الأمر بإقامة أشخاص يؤدّون تلك الخدمات، كما أن تاريخ الكنيسة يثبت وجودها منذ بدئه وحتى الآن. أما الرسل فلا برهان مثل هذا على دوامهم، بل بالعكس فليس في الإنجيل أمرٌ بإقامة خلفاء لهم، ولا فيه وعدٌ بدوام المواهب التي تتطلّبها خدمتهم، ولا عندنا خبر بتعيين أحدٍ بعد موت الاثني عشر ليخلفهم، ولا عندنا أدلة تاريخية على وجود أناس بمثل صفاتهم في الكنيسة. غير أنه لما هلك يهوذا طلب بطرس إقامة واحدٍ بدله ليكون شاهداً بقيامة المسيح، لا لحفظ التسلسل الرسولي بدليل قوله: «ينبغي أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج.. إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنا يصير واحدٌ منهم شاهداً معنا بقيامته» (أع 1: 21، 22). ثم ألقوا قرعتهم فوقعت على متياس، فحُسب مع الأحد عشر رسولاً.
(4) بُنيت عقيدة عصمة الكنيسة وسلطانها على سوء فهم وعد المسيح بحفظ الكنيسة، فلم يعِد المسيح بحفظ الكنيسة المنظورة، بل بحفظ الكنيسة الحقيقية أي جماعة المؤمنين بالحق من الارتداد عن الإيمان، كما وعدهم بإرشاد الروح لهم لمعرفة ما هو ضروري لخلاصهم، وبإعطاء بعضهم مواهب ليعلّموا ويبشروا. وهؤلاء هم القسوس الذين أقامهم الرسل في كل مدينة (تي 1: 5). ولكنه لم يعِدهم بالعصمة ولا بالقداسة التامة في هذه الحياة. نعم، وعد أن يقدس شعبه، ولكنه لم يعِد بأن يجعلهم أصحاب قداسة كاملة في هذه الحياة. نعم وعد أن يعطيهم فرحاً في الإيمان، ولكنه لم يعِد أن يخلّصهم إلى التمام من كل تعب وحزن. نعم وعد أن يعلّمهم ويرشدهم بالروح القدس، غير أن هذا الوعد لا يتضمّن العصمة في التعليم. فكما أن الكنيسة لم تتخلّص من الأتعاب والبلايا والأحزان بمواعيد المسيح، لم تتخلّص من الخطية والخطأ. وواضح أن مواعيد المسيح ليست لرؤساء الكنيسة بل لجميع المؤمنين، ولم يُقصد بها عصمة الكنيسة بل التأكيد أن شعب الله لا يتلاشى من الأرض ولا يُترك ليرتدّ عن الإيمان الحقيقي.
(5) الحوادث التاريخية تكذِّب العصمة، فإن التاريخ يروي كيف أن الكنيسة المنظورة وقادتها أخطأوا وانحرفوا عن الحق، منها قبول أغلب الأساقفة ضلالة أريوس، مع أن الكنيسة كانت قد رفضت هذا التعليم قبل أريوس وبعده. وقد قبلت الكنيسة أكثر القضايا المهمة في تعليم أغسطينوس في مجمع أفسس الثالث سنة 431م في عقائد فساد طبيعة الإنسان وموته الروحي، وعدم إمكان الخاطئ أن يتجدد بدون قوة الروح، وفي اختيار البعض للخلاص وعدم اختيار البعض الآخر. ولكنها في المجمع التريدنتيني رفضت ما سبق أن قبلته، وعلّمت أن النعمة الإلهية ليست إلا إعانةً للإنسان ليرجع إلى الله، وأن المعمودية هي وسيلة التجديد، وأن الشهوة ليست خطية، وسكتت في أمر الاختيار. وواضح من هذا أن الكنيسة غير معصومة في التعليم، لعدم مطابقة تعاليمها بعضها لبعض (أ) فقد قبلت تعاليم تخالف ما قبلته في وقت آخر. (ب) وأثبتت عصمة الكتاب المقدس ولكنها علّمت ما يناقضه! أما الكنيسة غير المنظورة فلها إلهٌ واحد وفادٍ واحد وقانون إيمان واحد ومواعيد واحدة بحضور الروح معها وإرشاده، وبالثبات والغلبة.
(6) أحوال الكنيسة التقليدية الروحية لا توافق دعوى العصمة، لأنه لو صحّت دعواها هذه للزم وجود الديانة الحقيقية الطاهرة والتقوى السامية فيها دون غيرها.
(7) النتيجة الطبيعية لتعليم عصمة الكنيسة أن تبطل الحرية من وجه الأرض، سواء كانت دينية أم عقلية أم سياسية.
20 - كيف تبرهن أن رؤساء الكنائس التقليدية ليسوا خلفاء الرسل، وأنهم الواسطة الوحيدة لوصول النعمة الإلهية إلى البشر؟
* جاء في تاريخ المسيحية رأيان متضادان في وسائط الخلاص التي بها ننال النعمة السماوية:
(1) رأي الكنيسة الإنجيلية أن المسيح هو المخلّص الوحيد الذي افتدانا بدمه، وأننا نحصل على الخلاص بالإيمان به، وأن الإيمان هو نتيجة معرفة الحق وقبوله، وأن الفاعل العظيم في تنوير قلوبنا وتجديدها وتقديسها هو الروح القدس الذي يستخدم في ذلك الحق المعلَن في الكتاب المقدس، وأن الكارزين بالحق هم خدّام مختارون من الله لنشر بشرى الخلاص، ولكن ليس لهم السلطان الخاص بالرسل ولا مواهبهم العجيبة، وأن سِرَّي الكنيسة (المعمودية العشاء الرباني) ليسا إلا من جملة الوسائط لبنيانها وثباتها في الإيمان ونموها في التقوى، وأن فاعليتهما تتوقف على قبولهما بالإيمان لا على ممارستهما بأيدي القسوس، وأن القسوس معيّنون لممارستهما حفظاً لنظام الكنيسة (مز 19: 7-10 و119: 9، 93، 98، 104، 130 وإش 33: 6 و53: 11 وإر 3: 15 وهو 4: 6 وحب 2: 14 ولو 8: 11 ويو 1: 12 و5: 24 و8: 32 و15: 31 و17:17، أع 13: 36 و20: 32 ورو 10: 4-17 و1كو 1: 20، 21 و4: 15 وأف 3: 17 ويع 1: 18 و1بط 1: 23 و1يو 5: 11، 12).
(2) رأي الكنائس التقليدية، وهم يبنونه على الاعتقاد أن رجال الدين هم خلفاء الرسل، ولهم وحدهم سلطان الرسل ومواهبهم، وعلى ذلك فهم وكلاء النعمة الإلهية، وذوو قدرة على توصيلها للبشر بواسطة الأسرار الكنسية، أي أن الله يستخدمهم هم فقط كوسائط ليوصّل نعمته وخلاصه للبشر، كما أعطى الرسل مواهب تجعلهم قادرين أن يعملوا العجائب ويعطوا الروح القدس بوضع أيديهم عليهم، كما فعل بولس في أفسس (أع 19: 6). هكذا فوَّض الله الإكليروس أن يمنحوا بواسطة الأسرار النعمة وتجديد النفس. وبناءً على ذلك يكون قبول الأسرار عن يد الإكليروس ضرورياً للخلاص، وكذلك تتوقف فاعلية الأسرار على ممارستها بالأسلوب الذي يراه الإكليروس قانونياً. وهذا يخوّل الإكليروس سلطاناً في الأمور الروحية لم يخولهم إياه الله، ويملأ أيديهم من القوة لاستعباد البشر.
ويتضح خطأ هذا الرأي من سوء تفسيرهم بعض آيات الكتاب التي زعموا أنها تشير إلى رسامة الإكليروس بوضع الأيادي وقبول الروح القدس، مع أنها لا تشير إلا إلى موهبة عمل المعجزات بقوة الروح القدس لإثبات صدق الديانة المسيحية (1كو 14: 22 ومر 16: 15-18 وأع 4: 29، 30 و5: 12 وعب 2: 4). ولما كانت تلك الغاية وقتية زالت تلك الموهبة بزوالها لعدم لزومها بعد.
ومن الآيات المشار إليها التي قصدنا أن نبيّنها الآن: يو 20: 21، 22 وأع 6: 5، 6 و8: 15 و17 و1تي 4: 14 و2تي 1: 6.
(أ) يو 20: 21، 22 حيث قال المسيح: «كما أرسلني الآب أرسلكم أنا». ولما قال هذا نفخ وقال لهم: «اقبلوا الروح القدس». فقال التقليديون (بدون سند) إن الذين نفخ فيهم المسيح حينئذٍ أفرزهم بذلك لوظيفة إكليريكية في الكنيسة، وإنهم أخذوا منه قوة ليرسموا خلفاء يمنحونهم الروح القدس كما فعل المسيح، وأيضاً موهبة عمل المعجزات، وإن الترتيب يمتد مثل سلسلة رسولية في أجيال الكنيسة. والخطأ في هذا التفسير أنه يفترض أن المسيح قصد أن يرسل الرسل كما أرسله الآب تماماً، فلا يكون ذلك برهاناً على أنه فوَّض إليهم منح غيرهم تلك المواهب الرسولية إلى ما لا نهاية له من تاريخ الكنيسة. كما أن المسيح منح الرسل تلك القوات وأرسلهم لغاية خاصة هي الكرازة بالإنجيل وتعليم البشر شروط المغفرة وصلاح السيرة، لا أن تكون لهم قدرة ذاتية على منح النعمة الإلهية. أما المسيح فأرسله الله فادياً وكاهناً وذبيحة وشفيعاً وملكاً للمؤمنين. ولا يمكن انتقال هذه الوظائف إلى الرسل ولا إلى غيرهم. وبما أنهم كانوا ملهَمين كان تعليمهم وتصريحهم بغفران الخطايا أو بإمساكها بسلطانٍ منه وبالوحي لا محالة. وقبول الرسل الروح القدس من المسيح في هذا الوقت كان يرمز إلى قبولهم إياه قانونياً بعد ذلك ببضعة أيام في يوم الخمسين، ليصبحوا قادرين على تتميم أعماله الخاصة من عمل المعجزات والشهادة للحق وتأسيس الكنيسة المسيحية وتنظيمها. وأما الزعم أنهم حينئذٍ تقلدوا الدرجة الرسولية فتحريفٌ للحق، لأنهم تقلدوا تلك الدرجة قبل ذلك الوقت بنحو ثلاث سنين. ويؤيد ذلك غياب توما عن الرسل وقتئذٍ، لأنه لو صحّ هذا الزعم يكون توما قد استُبعِد من بينهم لأنه لم ينل هذا التكليف معهم.
(ب) أع 6: 5، 6 حيث يقول «فحسُن هذا القول أمام كل الجمهور، فاختاروا استفانوس رجلاً مملوءاً من الإيمان والروح القدس، وفيلبس وبروخورس ونيكانور وتيمون وبرميناس ونيقولاوس دخيلاً أنطاكياً، الذين أقاموهم أمام الرسل، فصلّوا ووضعوا عليهم الأيادي». وهذا خبر رسامة الشمامسة الأولين في الكنيسة، ونرى في القرينة (آيتا 3، 5) أن هؤلاء الأشخاص كانوا مملوئين من الروح القدس قبل رسامتهم وقبل وضع أيدي الرسل عليهم. ويؤيد ذلك ما جاء في آية 8 من أن استفانوس صنع معجزات عظيمة. ولما كان القصد الخاص في رسامة استفانوس ليس القدرة على صنع العجائب وحلول الروح القدس فيه، بل خدمة موائد، كان القول إن هؤلاء الأشخاص أخذوا الروح القدس بسبب وضع أيدي الرسل عليهم زعماً بدون برهان. نعم كان حلول الروح القدس فيهم من الأمور اللازمة لاستعدادهم لخدمتهم، غير أنه كان سابقاً لرسامتهم، ولم يقبلوه برسامة سابقة لوظيفة أخرى أدنى من وظيفة الشماس كما زعم البعض لأنهم لم يرسموا قبل ذلك أبداً، وكانت وظيفة الشماس أدنى وظائف الكنيسة المسيحية حينئذٍ. فهذه الآية وإن كانت تشير للرسامة، إلا أنه لا برهان فيها على أن قبول الروح القدس كان على يد الرسل عند تتميم الرسامة.
(ج) أع 8: 15، 17 حيث يقول: «اللّذين (بطرس ويوحنا) لما نزلا صليا لأجلهم (أهل السامرة) لكي يقبلوا الروح القدس.. حينئذٍ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس». حدث هذا بعد ذهاب بطرس ويوحنا من أورشليم إلى السامرة لما عرفوا أن السامريين قبلوا كلمة الله. وعند وصولهما إلى هناك صليا لأجل جميعهم ليقبلوا الروح القدس، ووضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس. ولما رأى ذلك سيمون قدم لهما دراهم لشراء سلطان إعطاء الروح القدس، فوبخه بطرس. وليس في كل هذا ما يشير للرسامة مطلقاً، ولا للخلافة الرسولية، ولا كان من قصد بطرس ويوحنا إفراز أحدٍ للوظيفة الإكليريكية، بل كان قصدهم منح الروح القدس للجميع بوضع الأيادي. ويؤيد ذلك ما جاء من خبر انسكاب موهبة الروح القدس على جميع الذين في بيت كرنيليوس وتكلّمهم بألسنة (أع 10: 44-48). وجاء في أع 19: 6 أن بولس وضع يديه على المؤمنين في أفسس، فحلّ الروح القدس عليهم وتكلموا بلغات. وجاء في 1كو 12: 14 ما يدل على أن تلك المواهب العجيبة لم تكن للإكليروس خاصة بل لكل الشعب، وأنها كانت علامة مفيدة لغير المؤمنين.
ومن هذا يتضح أن إعطاء الروح القدس بوضع أيدي الرسل لم يكن لرسامة إكليروس، ولا لإثبات الخلافة الرسولية بل لمنح مواهب عجيبة. ولا نرى في العهد الجديد خبر إعطاء الروح القدس بغير وساطة الرسل الاثني عشر، وحتى الآن لم يوجد في الكنيسة المسيحية من استطاع ذلك غير الاثني عشر رسولاً.
(د) 1تي 4: 14 و2تي 1: 6 حيث يقول بولس: «لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوَّة مع وضع أيدي المشيخة.. أذكّرك أن تضرم موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ». فقيل إن هاتين الآيتين تشيران إلى رسامة تيموثاوس مبشراً بالإنجيل وكارزاً بالحق، وهذا لا خلاف فيه، وكان بولس من الذين وضعوا الأيادي على تيموثاوس، لأنهم حسبوا الرسل من شيوخ الكنيسة (1بط 5: 1). غير أن تلك الموهبة لم تكن تخوله قدرة لإعطاء الروح القدس لغيره، بل تؤهله للكرازة والتعليم. فليس في ما تقدم دليل على الخلافة الرسولية، ولا على تخويل قدرة إلى غير الرسل لإعطاء الروح القدس. ونستدل مما جاء في أماكن أخرى أن إعطاء الروح القدس للبعض جعلهم قادرين على عمل المعجزات، فلا يبعد أن القصد من منح تيموثاوس تلك الموهبة هو تمكينه أن يعمل المعجزات، مع أن الإشارة في الموهبة هنا هي مساعدته على نشر بشرى الإنجيل.
الآيات المتقدمة إذاً لا تفيد أن وضع الأيادي لإعطاء الروح القدس خاصة بالرسامة، ولا تفيد أن أحداً غير الرسل نال تلك القدرة. فلا سند من تلك الآيات على الخلافة الرسولية، ولا على تفويض منح تلك النعمة الإلهية إلى الإكليروس. وإعطاء الروح مراراً عن يد الرسل لجماعة من الناس عند معموديتهم (أع 8: 15، 16 و10: 44، 45 و19: 6) مما يدل على أن المقصود فيه ليس الرسامة كما زعم التقليديون. لأن من شروط وضع الأيدي أن يكون من وُضعت الأيدي عليه قد تعلم الحقائق الدينية واشتهر بحسن السلوك (1تي 3). وكانت المواهب الروحية تسبق الرسامة ولا تنتج عنها، كما يتضح من أع 6: 2-6 و1تي3 وتي 1: 5-9.