الفصل الحادي والخمسون
1 - ماذا يعلمنا الكتاب المقدس عن الحالة الأخيرة للأبرار؟
* وصف الكتاب المقدس حالة الأبرار الأخيرة بأوصاف مختلفة منها: الحياة الأبدية (مت 25: 46) والمجد الأبدي (2 كو 4: 17) وراحة (عب 4: 9) والمعرفة الكاملة (1كو 13: 12) والقداسة (رؤ 21: 27) والخدمة (رؤ 22: 3) والعبادة (رؤ 19: 1) ومعاشرة أرواح أبرا ر مُكمَّلين (عب 12: 23) والسكن مع الله (رؤ 21: 3). وهذا يؤكد أن حالة الأبرار الأخيرة هي حياة مقدسة في الاتحاد بالله وأرواح مكمَّلة إلى الأبد (رؤ 3: 12 و22: 15). على أنه لا بد من التفاوت في السعادة والإكرام في السماء بحسب استعداد كل نفس للحياة السماوية وأمانتها للرب في هذه الحياة، كما ذُكر مجازاً أن البعض يكونون على عشر مدن والبعض على خمس (لو 19: 17، 19 و1كو 3: 14، 15) فسينال كل واحد المواهب الخاصة على قدر استعداده لذلك، وبموجب مقاصد الله، فكلها من إنعام الله، وهي متساوية من جهة ومتفاوتة من جهة أخرى. فكل عامل في كرم الرب يأخذ ديناراً من الرحمة واللطف الإلهي، ولكن ليس كل واحد يفرح بديناره كغيره، فالذي يحصل على فرحٍ زائد هو الذي استعمل وسائط النعمة أحسن استعمال وخدم ربه أحسن خدمة.
2- هل يعلّمنا الكتاب أن السماء مكانٌ كما أنها حال؟
* نستنتج أن السماء مكان من أن جسد المسيح البشري هو في السماء، فلا بد أن تكون السماء مكاناً، كما نستنتج ذلك من القول «في بيت أبي منازل كثيرة. أنا أمضي لأُعدّ لكم مكاناً» (يو 14: 2، 3) ومن أن السماء سُميت مدينة ووطناً أفضل أي سماوياً (عب 11: 1، 16) وسماءً جديدة وأرضاً جديدة (رؤ 21: 1).
3- بأي شيء تقوم السعادة السماوية؟
* لا يمكن تصوير السعادة السماوية لأنه لم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه (اكو 2: 9). ولكننا نعلم أنه:
(1) تنشأ سعادة السماء من رؤيتنا لله، وهذا يحوّل النفس إلى صورة الله، ويجعل فيها الحياة الإلهية لتمتلئ بملء الله. ورؤية الله هي في وجه يسوع المسيح الذي فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً، لأن الله قد ظهر في الهيئة كإنسان في المسيح. وهذا ما يبهج النفوس إلى حد لا يبلغه التصور ولا يحتمله البشر على الأرض، فإن بطرس ويعقوب ويوحنا صاروا كأمواتٍ عندما رأوا مجد المسيح لحظةً على الجبل المقدس.
(2) لا تنشأ سعادة المفديين من استعلان مجد الله فقط، بل من محبته أيضاً، تلك المحبة السرية غير المتغيرة وغير المحدودة التي من أثمارها عمل الفداء.
(3) تمتد وتتسع وتزيد قُوى القديسين في السماء، ويخلصون من كل حزن وخطية، وتكون لهم شركة واختلاط بالكائنات السماوية العاقلة والآباء والأنبياء والرسل والشهداء وجميع المفديين، ويتقدمون في المعرفة والخدمة المفيدة، ويتأكدون من حصولهم الدائم على كل خير ممكن. ويكون كل هذا من أسباب سعادتهم.
4- ماذا يعلّمنا الكتاب المقدس عن حالة الأشرار الأخيرة؟
* وصف الكتاب حالة الأشرار الأخيرة ومكان نزولهم بعبارات مجازية مخيفة جداً، منها الذهاب إلى النار الأبدية (مت 25: 41) وبئر الهاوية (رؤ 9: 2) والظلمة الخارجية (مت 8: 12) والعذاب بنار وكبريت (رؤ 14: 10-12) وعذاب أبدي (مت 25: 46) وغضب الله (رو 2: 5) والموت الثاني (رؤ 21: 8) وهلاك أبدي من وجه الرب (2تس 1: 9) ودينونة أبدية (مر 3: 29).
ونتعلم من الكتاب أن شقاء الهالكين يقوم بما يأتي:
(1) خسارة كل الخيرات الأرضية.
(2) الابتعاد عن حضرة الله ورضاه.
(3) الرفض الكلي، أو ترك الروح القدس إياهم تركاً أبدياً.
(4) ما ينتج عن ذلك من تسلط الخطية والميول الشريرة عليهم.
(5) توبيخات الضمير.
(6) قطع الرجاء.
(7) المعاشرات الردية.
(8) القصاص العادل، أي إن العذاب في الآخرة ليس مجرد ما ينتج من الخطية، بل يتضمن أيضاً القصاص الذي يطلبه الناموس.
(9) الخلود في هذه الحالة المخيفة.
أما القول إن النار المذكورة في الكتاب هي مادية فليس له سند كافٍ، كما أنه لا محل للزعم أن الدود الذي لا يموت هو دود حقيقي. فإن إبليس وملائكته الذين يُعَذَّبون بنيران أبدية (ويشاركهم في عذابهم الذين يموتون في خطاياهم) ليس لهم أجساد مادية لتؤثر فيها النار المادية، فلا بد أن تلك النار مجازية. ومثلما توجد درجات في أمجاد السماء وسعادتها (كما يعلمنا المسيح في مثل الوزنات) كذلك يكون فرق في شقاء الهالكين وعذابهم، لأن البعض يُضربون ضربات قليلة، والبعض يُضربون كثيراً.