شبهات وهمية حول إنجيل لوقا
قال المعترض: »لم يكتب لوقا بإلهام الروح القدس لأنه يقول في فاتحة إنجيله: »إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقَّنة عندنا، كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبَّعتُ كل شيء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس« (لوقا 1:1-4). وقال إيريناوس: »إن الأشياء التي تعلّمها لوقا من الرسل أبلغها إلينا«. وقال إيرونيموس (جيروم): »لم يكن بولس المصدر الوحيد للوقا« والحقيقة هي أن الرسول بولس لم يكن من صحابة المسيح، بل تعلم الإنجيل منه ومن الرسل الآخرين أيضاً«.
وللرد نقول: (1) قال البشير لوقا هذه الآية بصفته من الرسل، الذين حلّ فيهم روح الله. فقوله: »رأيت أن أكتب« معناه أن الروح القدس ألهمه ليكتب تاريخ المسيح وميلاده ومعجزاته وآلامه وموته وقيامته، ليكون أساساً يبني المؤمنون عليه إيمانهم. ومع أن الله ألهم هذا الرسول بالروح القدس، إلا أنه لم يغضّ الطرف عما به من القُوى العقلية، فتحرَّى الحق، وترأس الروح القدس على هذه القُوى، وأرشدها وصانها من الزلل.
وغاية الله هي أن يجعلنا أن نستعمل عقولنا في الأمور الدينية، وهو يطلب منا أن نبحث في الأمور بالتحرّي والتروّي ومعرفة البيّنات. وقوله: كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة يقصد به الاثني عشر، والسبعين تلميذاً، الذين أرسلهم المسيح للكرازة.
(2) أجمع أئمة المسيحيين القدماء والمتأخرين على أن إنجيل لوقا هو بوحي إلهي، مثل إنجيل متى ومرقس ويوحنا، ولم يشك أحد في صحته. فلو كان بدون وحي إلهي لنبذه أئمة الدين، لأنّهم كانوا أحرص الناس على ديانتهم، وهم من العلماء المتضلّعين.
(3) اعتبر الرسل بطرس وبولس ويوحنا هذا الإنجيل من الكتب الموحى بها، لأنه كان متداولاً في عصرهم. فلو كان غير إلهامي لما صادقوا على التعبُّد به، وهم أعمدة الدين وأركانه، وقولهم الفصل.
(4) أجمع أئمة الدين القدماء على أن بولس رأى هذا الإنجيل وصدَّق عليه واعتبره مقدمة بشارته وخلاصتها، فهو كرسائله.
(5) إنّ عليه مسحة الوحي الإلهي كغيره من الكتب المقدسة، فمع بساطته فهو سامٍ فوق الطاقة البشرية.
(6) يوافق إنجيل لوقا باقي الأناجيل ولا يناقضها في شيء، ما يدل على أنّ مصدرها واحد، وهو الله.
(7) وهناك أدلة على إلهام لوقا، فهو من السبعين تلميذاً الذين أرسلهم الرب ليكرزوا في اليهودية، والدليل على ذلك اختصاصه بذكر السبعين تلميذاً (لوقا 10:1-20). كما كان من المائة وعشرين تلميذاً الذين حلّ عليهم الروح القدس يوم الخمسين (أعمال 1:15 و2:1-4). وقال كثير من المحققين إنه كان أحد الاثنين اللذين قابلهما المسيح في الطريق إلى عمواس يوم قيامته (لوقا 24:13-35) فقال إن أحدهما كان كليوباس كما في آية 18 ، ولم يذكر الشخص الآخر، لأنه هو لوقا. وشهد بولس الرسول أنه كان عاملاً معه في الكرازة والبشارة (فليمون 24) وذكره بأحسن الذكر (كولوسي 4:14) ورافق بولس الرسول في سفره الأول إلى مكدونية (أعمال 16:8-40) كما رافقه من بلاد اليونان إلى أورشليم، ومنها سافر معه إلى روما ولبث معه سنتين مدة سجنه، فأقام معه أكثر من خمس سنين (أعمال 20 و27 و28).
(8) وبصرف النظر عن جميع هذه البينات الدالة على أن لوقا كان واحداً من الرسل العاملين، نقول إن الله خص الرسل بأنهم كانوا يضعون أيديهم على المؤمنين فيحل عليهم الروح القدس. هكذا فعل بطرس (أعمال 19:6 و7 و1كورنثوس 12:28 ورومية 1:11 و15:19 و29) وكان سيلا رفيق بولس نبياً (أعمال 15:32) وكان الأنبياء كثيرين في الكنيسة الأولى، وسافر كثير منهم من أورشليم إلى أنطاكية (أعمال 11:27) وكان يهوذا وسيلا نبيين في أورشليم، وأغابوس في اليهودية (أعمال 11:28) وكان لفيلبس الإنجيلي أربع بنات عذارى يتنبأن في قيصرية (أعمال 21:9 و10) وكان في كنيسة أنطاكية كثيرون أنبياء ومعلمون، منهم لوقا (أعمال 13:1 و2). فهل نتصور أن لوقا الإنجيلي الذي كان عاملاً مع بولس وكان رفيقاً له يكتب بدون وحي الروح القدس، مع أن الرسل كانوا يمنحون هذه الموهبة الجليلة للمؤمنين وكانوا يعملون آيات وعجائب؟
فينتج من كل ما تقدم أن لوقا كتب إنجيله بإلهام الروح القدس، وأنه لا مانع إذا كان روح الله أرشده إلى الأخذ من الرسل الملهَمين بالروح القدس أيضاً، لأن الإلهام لا ينافي استعمال الرسول قواه العقلية من التحري والتروي.
قال المعترض: »نفهم أن أليصابات من سبط لاوي كما جاء في لوقا 1:5 ولكن يبدو أنها من سبط يهوذا مثل نسيبتها مريم، كما نجد في لوقا 1:27 و36«.
وللرد نقول: القول إن أليصابات نسيبة مريم، ومريم العذراء من سبط يهوذا، فتكون أليصابات من سبط يهوذا قول خطأ، فإن أليصابات من سبط لاوي، والتزاوج كان يحدث بين الأسباط، فقد تزوج هارون من سبط يهوذا (قارن خروج 6:28 و 1أخبار 2:10).
قال المعترض: »يقول لوقا 1:17 إن يوحنا المعمدان جاء بروح إيليا وقوته، ولكن جاء في متى 11:14 أن إيليا هذا هو المزمع أن يأتي. فهل تقمَّصت روح إيليا يوحنا؟ وهل يعلّم الإنجيل بتقمص الأرواح؟«.
وللرد نقول: مجيء يوحنا بروح إيليا، معناه أنه أتى بأسلوب إيليا وطريقته ومنهجه وروحه في العمل:
(1) كان إيليا ناسكاً، وكذلك كان يوحنا المعمدان. كان إيليا أشعر يتمنطق بمنطقة من جلد على حقويه (2ملوك 1:8). وكانت ملابس يوحنا من وبر الإبل، وعلى حقويه منطقة من جلد (متى 3:4). وكان إيليا يسكن البرية في جبل الكرمل (1ملوك 18:19 و42) أو في مغارة بجبل حوريب (1ملوك 19:9)، أو في علية (1ملوك 17:19) أو عند نهر كريث (1ملوك 17:3). وعاش يوحنا المعمدان في البرية (متى 3:1 ولوقا 3:2) وإلى جوار نهر الأردن. وكان صوتُ صارخٍ في البرية (مرقس 1:3).
(2) بدأ إيليا بحياة الوحدة والتأمل، واختاره الله للخدمة والنبوَّة. وهكذا عاش يوحنا حياة الوحدة في البرية، ثم الكرازة بالتوبة.
(3) كان إيليا شجاعاً حازماً في الحق، يقتل أنبياء البعل (1ملوك 18:40)، ويُنزل ناراً من السماء فتأكل خمسين جندياً (2ملوك 1:10). وكان المعمدان شديداً في توبيخ الخطاة. وكان يقول: »قد وُضعت الفأس على أصل الشجرة. فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً، تُقطع وتُلقى في النار« (لوقا 3:9).
(4) وبَّخ إيليا أخآب الملك وقال له: »أنت مكدر إسرائيل، أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم« (1ملوك 18:18) ثم وبخه وأنذره لقتله نابوت اليزرعيلي (1ملوك 21:20-36). ووبَّخ المعمدان الملك هيرودس وقال له: »لا يحل لك أن تكون لك امرأة أخيك« (مرقس 6:18) . إذن يوحنا كان بنفس روح إيليا وأسلوبه.
وعبارة »روح إيليا« تذكرنا بطلبة أليشع من معلّمه إيليا قبل صعوده إلى السماء، وهي: »ليكن نصيب اثنين من روحك عليّ« (2ملوك 2:9). وكان له كذلك. فلما صنع معجزات بنفس قوة إيليا، ورآه بنو الأنبياء، قالوا: »استقرَّت روح إيليا على أليشع. فجاءوا للقائه وسجدوا له« (2ملوك 2:14 و15).
فإن كان الأمر مسألة تقمُّص، فما معنى عبارة »اثنين من روح إيليا«؟ هل إيليا له روحان؟ وهل تقمَّصت روحه في أليشع قبل تقمصها في يوحنا؟!.. إنما المقصود هو أن أليشع نال ضِعف قوة إيليا. ونفس القوة كانت في يوحنا.. أما تقمص الأرواح، فلا تؤمن به المسيحية، لأن الروح عندما تخرج من الجسد لا ترجع إليه مرة أخرى، ولا إلى جسد آخر. إنما إن كانت بارة تذهب إلى الفردوس، كروح اللص التائب، وإن كانت شريرة تذهب إلى الجحيم، كروح الغني الذي عاصر لعازر.
انظر تعليقنا على متى 17:11 ويوحنا 1:21
اعتراض على لوقا 1:26 و27 - الإعلان للعذراء
انظر تعليقنا على متى 1:19
قال المعترض: »ارتاب بعضهم في لوقا 1 و2، كما أن مرقيون رئيس فرقة المرقيونية حذفهما«.
وللرد نقول: (1) لم يشك في هذين الأصحاحين سوى فرقة ضالة لا تؤمن بميلاد المسيح من عذراء. والأصحاحان موجودان في جميع النسخ القديمة بلا استثناء. كما أن أصحاح 1 مرتبط بأصحاح 2 ، وأصحاح 2 مرتبط بأصحاح 3، بحيث لا يمكن الفصل بينها، ولو بدأ الإنجيل بأصحاح 3 اختلّ المعنى.
(2) ابتدع مرقيون أن المسيح مجرد إنسان، وأنه لم يولد من مريم العذراء بل ظهر رجلاً كاملاً. ورفض مرقيون كتب موسى والأنبياء والمزامير، ولم يقبل من العهد الجديد سوى إنجيل واحد، وعشراً من رسائل بولس الرسول، وأخذ يتصرّف فيها حسب مذهبه. فدحَض ضلالته كثير من علماء المسيحية، ولاسيما ترتليان. وكل متديِّن مؤمن يعلم أن نبوات التوراة تحدثت عن ميلاد المسيح من عذراء (إشعياء 7:14) وأن الإنجيل روى تحقيق تلك النبوات كما حدثت، ومن ذلك لوقا أصحاح 1 و2.
قال المعترض: »يتعارض ما جاء في متى 2 مع ما جاء في لوقا 2:1 و2. فقد ورد في لوقا 2:2 »في تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يُكتتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية«. وهذا خطأ، لأن المراد بكل المسكونة إما أن يكون جميع ممالك سلطنة روما، وهو الظاهر، أو جميع مملكة يهوذا. ولم يصرح أحد من قدماء المؤرخين اليونانيين الذين كانوا معاصرين للوقا أو متقدمين عليه قليلاً في تاريخه هذا الاكتتاب الذي سبق ولادة المسيح. وإذا ذكره أحد الذين كانوا بعد لوقا بمدة مديدة فلا سند لقوله، لأنه ناقل عنه. وبصرف النظر عن ذلك، كان كيرينيوس والي سورية بعد ولادة المسيح بخمس عشرة سنة.
وللرد نقول: قصد البشير بقوله »كل المسكونة« أرض اليهودية، وهكذا استُعملت في لوقا 21:26 لتدل على أرض اليهودية. وفي العادة يستعمل الكاتب تعبير »كل المسكونة« و»كل العالم« للدلالة على كل وطنه وكل بلاده. فأطلق المؤرخ بوليبياس »كل المسكونة« على المملكة الرومانية (كتاب 6 ف 8)، واستعمل بلوتارك هذه العبارة للدلالة على مملكة روما، وهكذا قال لوقا عن أرض اليهودية »كل المسكونة«.
انظر تعليقنا على متى 2
اعتراض على سلسة نسب المسيح في لوقا
نرجو الرجوع إلى تعليقنا على متى 1:1-17 مع الملاحظات التالية:
قال المعترض: »بمقارنة نسب المسيح الذي في إنجيل متى بالبيان الذي في إنجيل لوقا، نجد ستة اختلافات: (1) يقول متى إن يوسف ابن يعقوب، ويقول لوقا إنّه ابن هالي. (2) يقول متى إنّ المسيح من ذرية سليمان بن داود، ويقول لوقا إنه من أولاد ناثان بن داود. (3) يقول متى إن آباء المسيح من داود إلى جلاء بابل ملوك ومشهورون، ويقول لوقا إنهم ليسوا ملوكاً ولا مشهورين ما عدا داود وناثان. (4) يقول متى إنّ شألتئيل ابن يكنيا، ويقول لوقا إنه ابن نيري. (5) يقول متى إنّ ابن زربابل هو أبيهود، ويقول لوقا إنه ريسا. (6) يقول متى إن من داود إلى المسيح 26 جيلاً، ويقول لوقا إنها 41 جيلاً«.
وللرد نقول: (1) لما ذكر متى سلسلة نسب المسيح ذكرها بطريقة تنازلية من إبراهيم إلى يوسف خطيب العذراء مريم، فقال إبراهيم ولد إسحاق، وإسحاق ولد يعقوب.. إلخ. ولكن لوقا ذكر نسب المسيح بطريقة تصاعدية، أي من المسيح إلى الله ذاته.
(2) تكلم متى على الأولاد الحقيقيين، أي الذين تناسلوا من آبائهم مباشرة، وعلى الأولاد الغير الحقيقيين، أي الذين نُسبوا إلى الآباء بواسطة أحد الأقرباء أو الأنسباء. وإن كانت عبارة لوقا عمومية، يصح إطلاقها على الأولاد الحقيقيين. ومما يدل على ذلك قوله: »ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يُظن ابن يوسف ابن هالي بن متثات«. وبما أن العبرانيين لا يُدخلون النساء في جداول نسبهم، فإذا انتهت العائلة بامرأة أدخلوا قرينها في النسب، واعتبروه ابن والد قرينته (أي ابناً لحميه). وعلى هذا كان المسيح حسب هذه العادة المرعيَّة المتَّبعة ابن يوسف، كما كان ابن هالي. وإذا قيل: لماذا قال متى إن يوسف ابن يعقوب، وقال لوقا إنه ابن هالي؟ قلنا إن البشير متى نظر إلى والده الحقيقي، فقال إنه ابن يعقوب. ونظر لوقا إلى إنه الابن الشرعي لهالي ووارثه الحقيقي، بالمصاهرة.
فمريم ابنة هالي، ويوسف هو ابن يعقوب. ولما لم يكن لهالي ابن، نُسب إليه يوسف. ويوسف ومريم من عائلة واحدة، فإن كلاً منهما تناسل من زربابل. فيوسف من أبيهود ابنه الأكبر كما في متى 1:13، ومريم من ذرية ريسا ابنه الأصغر كما في لوقا 3:27.
(3) ردّاً على الاعتراض الثاني والرابع نقول إن لوقا ومتى قالا إن المسيح تناسل من شألتئيل وزربابل، وهما كما لا يخفى تناسلا من سليمان مباشرة. ومع أن لوقا قال إن شألتئيل كان ابن نيري الذي تناسل من ناثان أخ سليمان الأكبر (كما في 1أخبار 3:5) فالمراد بذلك أنه تزوج ابنة ناثان. وبما أن نيري مات بلا عقب من الذكور، اتحد فرعا عائلة ناثان وعائلة سليمان في شخص زربابل، لما تزوَّج شألتئيل رئيس عائلة سليمان الشرعية بابنة نيري، الذي كان رئيس عائلة ناثان. فمتّى الإنجيلي ذكر أب شألتئيل الحقيقي وهو يكنيا، ولوقا ذكر والده الشرعي بالمصاهرة وهو نيري.
(4) ورداً على الاعتراض الخامس، أن متى يقول إن ابن زربابل هو أبيهود، بينما يقول لوقا إنه ريسا. نقول: يُعلم من 1أخبار 3 ومن لوقا أيضاً أن ابن زربابل هو رفايا، ولكنه سُمّي في لوقا باسم ريسا. ويجوز أنه يحمل اسمين. وذكر متى أبيهود وهو المعروف في أخبار الأيام بعوبديا، وفي لوقا بيهوذا. والمشابهة قوية بين هذه الأسماء في الأصل العبري.
(5) وبما أن متى كتب إنجيله لليهود، جرى في النسب على الطريقة التي كانت مشهورة عندهم. وبما أن لوقا البشير كتب إنجيله لليونان جرى في النسب على المصطلح عليه عندهم.
(6) كان اليهود يحافظون على جداول نسبهم بغاية الدقة والضبط، وكان العلماء والمحقِّقون يظنون في مبدأ الأمر أنه يوجد تناقض بين إنجيلي متى و لوقا في نسب المسيح، ولكن ظهر أنه لا يوجد تناقض ولا اختلاف، بل أن هذه هي الطريقة المتَّبعة عند الأمة اليهودية، وأن بعض الأمم المجاورة لها نسجت على منوالها في تحرير النسب.. فإذا لم ينجب الزوج وزوجته نسلاً، تبنَّيا ابناً أو ابنة. وإذا لم ينجب الوالدان ولداً، وكانت لهما ابنة زوّجاها لرجلٍ اتخذاه لهما ولداً، وتبنّيا أيضاً أولاد ابنتهما. ومما يوضح ما تقدم أنه لما لم يكن لسارة ابن، أعطت هاجر لرجلها فأنجبت هاجر ولداً تبنّته سارة، كذلك فعلت راحيل وليئة، فإنهما حصلتا على أولاد بأن أعطت كلٌّ منهما جاريتها لرجلها.
ومن الأمثلة الواردة في الكتب المقدسة الدالة على تبنّي الأب لأولاد ابنته ما ورد في 1أخبار 2:21 أن ماكير (المكني بأبي جلعاد) أعطى ابنته لحصرون، فتزوَّجها وهو ابن ستين سنة، فولدت له سجوب. وسجوب ولد يائير، وكان له 23 مدينة في أرض جلعاد. ولا شك أن هذه الأرض كانت مِلك ماكير، فإنه كان متشوِّقاً لأن يكون له ابن وارث. وحصل يائير على جملة مدن، فصارت أملاكه ستين مدينة. وعوضاً عن درج ذرّية يائير في عشيرة يهوذا لتناسلهم من حصرون، قيل عنهم إنهم أولاد ماكير أبي جلعاد.. ويؤخذ من سفر العدد 32:41 أن يائير هذا الذي كان في الواقع ابن سجوب بن حصرون بن يهوذا يُسَّمى في سفر العدد يائير بن منسى ، لأن جدّه الذي كان تبنّاه كان ماكير بن منسى، فورث عقاراته.. وكذلك ورد في 1أخبار 2:34 أن شيشان من سبط يهوذا، إذ لم يكن له بنون بل بنات أعطى ابنته ليرحع عبده المصري (ولابد أنه أعتقه) فأنجب عتاي. غير أن هذه الذرية لم تُنسب إلى يرحع المصري، بل إلى شيشان وصارت إسرائيلية وليست مصرية، وأخذت مكان شيشان في النسب والامتيازات.. وكذلك ورد في أستير 2:7 أن مردخاي اتخذ أستير لنفسه ابنة وقت سبي بني إسرائيل. ولو كان لمردخاي عقارات وأملاك لتبنّى ابناً عوضاً عنها.. واتَّخذت ابنة فرعون موسى ابناً لها (خروج 2:10).. وورد في سفر راعوث 4:17 أنه وُلد ابن لنعمي، مع أنه كان في الحقيقة ابن راعوث من بوعز. وكان بوعز أبوه من أقرباء نعمي الأبعدين، فإن نعمي كانت زوجة أبيمالك، وكان بوعز ذا قرابة بعيدة له.. ونقرأ عن حيرام البارع في الصناعة أنه كان ابن أرملة من سبط نفتالي (1ملوك 7:14) ولكن ورد في 2أخبار 2:14 أنه ابن امرأة من سبط دان.
قال المعترض: »لم تكن أوراق النسب محفوظة عند اليهود، وانتثرت برياح الحوادث. وقد أخطأ متى ولوقا في ذكر النسب«.
وللرد نقول: كان بنو إسرائيل أحرص الناس على حفظ نسبهم، كما يتضح من التكوين 5 و 10. ولما زاد عددهم في مصر زادوا حرصاً واهتماماً بحفظ جداول نسبهم، لبقاء كل سبط على حاله. وفُوِّض للكتبة (وهم علماؤهم الذين يدوّنون حوادثهم ويفسرون كتبهم المقدسة) حفظ جداول الأنساب. وبعد ذلك أُحيل هذا الأمر على اللاويين (1أخبار 23:4 و2أخبار 19:8-11 و34:13). وكان الكتبة يؤخذون من سبط لاوي، فكان اللاويون منقطعين لتلاوة الكلمة الإلهية وتفسيرها، وفُوِّض لهم حفظ جداول النسب، فكانوا يضعون هذه الجداول في الهيكل. ولما عادوا من السبي اهتموا بإعادة مجدهم العظيم، وكتب وقتئذ سفر أخبار الأيام الأول، وهو يشتمل على جداول النسب. ومن قارنه بما ورد في تكوين 5 والنسب الذي ذكره متى 1 ولوقا 3 ظهر له تحقيق النبوات في المسيح. قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير: »كان اليهود يحافظون على نَسَب رؤساء كهنتهم مدة ألفي سنة، وكان الكهنة في اليهودية، وفي مصر وبابل أحرص الناس على حفظ جداول نسَبهم. ولما عادوا من السبي حرموا الكاهن الذي عجز عن إبراز جدول نسبه من وظيفته«.
كان متى ولوقا يعرفان النسب حق المعرفة، فذكر متى جداول النسب من إبراهيم إلى المسيح مدة ألفي سنة تقريباً، أما لوقا فذكر النسب من آدم إلى المسيح وهو أكثر من هذا بكثير. وكان اليهود مولعين بحفظ أنسابهم إلى حد فائق، لأنهم كانوا يتباهون بالانتساب. وقال إيرونيموس (جيروم) إنهم كانوا يعرفون أنسابهم من آدم إلى زربابل كمعرفة الإنسان اسمه، فكانت معرفة الأنساب ضرورة بديهية.
قال المعترض: »كتب متى نسب يوسف، وكتب لوقا نسب مريم، ويكون يوسف من أقارب هالي ولا يكون لهالي ابن، فنُسبت القرابة إليه، وإن المسيح يكون على هذا التقدير من أولاد ناثان لا من أولاد سليمان«.
وللرد نقول: بعد أن ذكر متى جدول نسب يوسف، أوحى الله إلى لوقا أن يوضح نسب مريم، ليبيّن لنا أن المسيح تناسل حسب الجسد من داود، ليس من جهة يوسف خطيب مريم فقط، بل من جهة مريم أمه الحقيقية. صحيحٌ أن يوسف ومريم من ذرية داود، ليس من جهة أبيه فقط، بل بواسطة أمه أيضاً. وبما أنه ليس لمريم أخ كانت هي الوارثة، واعتُبر زوجها حسب الشريعة اليهودية من عائلة أبيها، فكان يوسف ابن يعقوب طبعاً وحقيقة، وابن هالي شرعاً بالمصاهرة.
وتوهم عبارة المعترض أن ناثان ليس من أولاد داود، مع أنه من أولاده. ولا يخفى إن عائلة سليمان وناثان اجتمعتا في شألتئيل وزربابل، ثم افترقتا ثم اجتمعتا باقتران يوسف ومريم. والحقيقة هي أن يوسف كان ابن هالي الشرعي ووارثه، مع أنه كان ابن يعقوب الطبيعي الحقيقي، فيكون متّان تناسل من سليمان واقترن باستا، ومنها خلف يعقوب. وبعد وفاة متان اقترن متثات الذي كان من سبط يهوذا ولكنه من عائلة أخرى، بأرملة متان، فولد هالي. فكان يعقوب وهالي من أم واحدة. ومات هالي بدون عقب، فتزوج أخوه أرملته، وولد يوسف، فكان ابن هالي الشرعي.
قال المعترض: »ورد في لوقا 1 أن زوجة زكريا كانت من بنات هارون، ومريم كانت قريبة لزوجة زكريا، وهذه كانت من بنات هارون قطعاً، فتكون من بنات هارون أيضاً«.
وللرد نقول: إن مجرد قرابة أليصابات التي من سبط لاوي إلى مريم التي من سبط يهوذا لا يدل على أن مريم كانت من سبطها، فإنه كان يجوز للأسباط الاقتران بأسباط أخرى، والدليل على ذلك أن هارون ذاته اقترن بزوجة من سبط يهوذا (أنظر خروج 6:23 و1أخبار 2:10). فاقترانه بها لم يُخرجه عن سبطه. وقد قال الملاك جبرائيل للعذراء مريم: »أليصابات نسيبتك هي حبلى« (لوقا 1:36). فالقرابة هي قرابة نسب.
قال المعترض: »لو كانت مريم بنت هالي لظهر هذا الأمر للقدماء«.
وللرد نقول: أوضحنا أن الأناجيل كانت مشهورة عند المسيحيين في الجيل الأول، وكانت متداولة بينهم يتعبّدون بتلاوتها في معابدهم، بل كانت منتشرة بين أعداء المسيحية، سواء كانوا من الوثنيين أو اليهود في القرن الأول، هو برهان كافٍ على صحة جدول النَّسب، ولا سيما أن اليهود والوثنيين كانوا بالمرصاد للمسيحيين. فلو وجدوا خطئاً لشنَّعوا فيهم. لقد قالوا إن يسوع ليس هو المسيح، ولكنهم كانوا مسلِّمين أنه من ذرية داود، ولم يطعنوا في ذلك.
أما ادعاؤه بأن أقوال متى ولوقا تدل على أن النسب هو ليوسف فهو في غير محله، فمتى يقول: »يعقوب ولد يوسف« أما لوقا فيقول: »وهو على ما كان يُظن ابن يوسف«. فكلمة »ولد« ليست مثل قوله »ابن«.
قال المعترض: »لم يكن إنجيل متى مشهوراً في عهد لوقا، فكيف نتصوّر أن يكتب لوقا نسَب المسيح بحيث يخالف متى ولا يزيد حرفاً للتوضيح؟«.
وللرد نقول: (1) كتب البشير متى إنجيله لليهود بالطريقة الجارية عندهم، وكتب لوقا لليونانيين بالطريقة المفهومة عندهم. (2) لما رأى لوقا أنّ متى كتب نسب المسيح من جهة يوسف، تعيَّن عليه أن يذكر سلسلة المسيح من جهة مريم، حتى يكون النسب مستوفياً. (3) الذي أرشد متى ولوقا للكتابة هو الروح القدس الذي أوحى لكليهما، ليجيء النسب متكاملاً.
قال المعترض: »لو تأمل أحد في كتب المسيحيين لاعترف بأن المسيح ليس هو المسيح، فإن يهوياقيم بن يوشيا لما أحرق الصحف التي كتبها باروخ من فم إرميا النبي، نزل الوحي إلى إرميا (36:30) قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا: »لا يكون له جالس على كرسي داود« مع أنه ذُكر في إنجيل لوقا 1:32 عن المسيح أن الرب الإله سيعطيه كرسيَّ داود أبيه«.
وللرد نقول: يقول لوقا 1:30 »فقال لها الملاك (أي جبرائيل): لا تخافي يا مريم لأنكِ قد وجدتِ نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً، وابن العلي يُدعى. ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية«. ثم قال الملاك: »الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله« (لوقا 1:35).
والذي يقارن بين أقوال النبي إرميا وهذه البشارة السامية، لا يرى ارتباطاً ولا علاقة بين القولين، فإن الله أزال المُلك من إسرائيل لانغماسهم في الشرور، وسلّط عليهم الملوك الأجانب. وتمت هذه النبوَّة لما أخذ نبوخذنصر ملك بابل يهوياقيم العاتي وقيده بسلاسل نحاس، وسباه إلى بابل، وفعل كذلك بابنه. ثم أتى عليهم ملك الكلدانيين وقتل في الأمة وسبى من بقي، وتم بذلك قول النبي إرميا (2أخبار 36).
وملكوت المسيح ليس أرضياً وليس من هذا العالم، لكنه ملكوت روحي يقوم بالمحبة والطهارة والسلام. هذه هي المملكة الباقية التي لا تزول (كما قال الملاك جبرائيل)، فلا يمكن لقلاقل الدنيا أن تمسَّها بسوء، فممالك الدنيا تزول فتقوم مملكة وتسقط أخرى، ولكن مملكة المسيح باقية إلى الأبد. وحسبنا برهاناً ما نشاهده بأعيننا، فإن المسيح يملك في الشرق والغرب والشمال والجنوب على أفئدة المسيحيين بالمحبة، وتمّت هذه النبوات من أنه يكون من نسل داود حسب الجسد، وهذا هو معنى قوله إنه يجلس على كرسي داود، فشُبِّهت مملكته الثابتة الروحية بمملكة داود تقريباً لأذهان بني إسرائيل.
ولا مانع من أن يكون المشبَّه أقوى من المشبَّه به، كقولنا إن نور الله »كمشكاة فيها مصباح« (النور 24:35) ففي التشبيه بالمحسوس تقريبٌ للأذهان. ومما يدل على صدق هذه النبوَّة أنه صار للمسيحية ألفا سنة وهي في النمو والزيادة، بحيث لم تقْوَ ولن تقوى عليها أبواب الجحيم. وهذا من أعظم الأدلة على صدق كلام الوحي والنبوَّة.
قال المعترض: »جاء في لوقا 2:52 »أما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس«. وهذا يدل أنه لم يكن الله. فإن كان لا بدّ من تجسّد الله، فلماذا لم يظهر في العالم رجلاً كامل النمو، بدلاً من ولادته من امرأة، ومروره في أدوار الطفولة والصبوّة التي لم يفعل فيها شيئاً مذكوراً«.
وللرد نقول: (1) جاء المسيح طفلاً تحقيقاً للنبوات، مثل »يعطيكم السيد نفسه آيةً: هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً.. لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً, ويُدعَى اسمه.. إلهاً قديراً« (إشعياء 7:14 و9:6).
(2) النمو والتقدم هما السُّنة التي وضعها الله للأفراد والمجتمعات، فكان من البديهي أن يظهر المسيح (وقد رضي أن يكون إنساناً) طفلاً يتدرج في النمو قامة وعقلاً، وتتدرج معه الجماعة المحيطة به يقظة ووعياً، تتهيّأ بسببهما لقبول المسيح والاستماع إليه. وهذا ما قيل عنه بوصفه ابن الإنسان في لوقا 2:52.
(3) لم يكن غرض الله من التجسّد مجرَّد إعلان ذاته لنا، بل الاتحاد الجوهري بنا، ليكون الرأس الفعلي الحقيقي لجنسنا (عوضاً عن آدم الأرضي الذي بانتسابنا إليه وتوالُدنا منه، قد ورثنا الطبيعة الخاطئة وورثنا معها قضاء الموت الأبدي)، حتى نستطيع بدورنا أن نتحّد بالله اتحاداً عملياً حقيقياً. فلو كان المسيح قد ظهر في العالم رجلاً كامل النمو، دون أن يأخذ جسداً من جنسنا، لكان قد ظل غريباً عنا، وبالتبعية لما كان رأساً لنا، ولمَا كانت لنا صلة فعلية به. لكن بتفضُّله بالولادة من جنسنا اتَّحد بنا، وبحكم مركزه صار رأسنا ووليَّنا، فأمكننا أن نتحد به اتحاد الأغصان بالكرمة، وبذلك تحققت أغراضه السامية من التجسّد.
(4) من يريد أن يعترض سيعترض على أي شيء. فلو أن المسيح جاء إلى العالم رجلاً كامل النمو كما قال المعترض لاعترض المعترض أيضاً، لأنه ينسى أن الله صاحب السلطان والحق أن يختار طريقة ظهوره للعالم.
انظر تعليقنا على غلاطية 4:4
اعتراض على لوقا 3:19 - هيرودس - هل يحترم يوحنا؟
انظر تعليقنا على مرقس 6:17
اعتراض على لوقا 3:22 - الصوت السماوي
انظر تعليقنا على متى 3:17
اعتراض على لوقا 4:1-13 تجارب المسيح
انظر تعليقنا على متى 4:1-11
اعتراض على لوقا 5:14 - نعلن عن المسيح أو لا نعلن
انظر تعليقنا على متى 8:4
اعتراض على لوقا 5:27 - لاوي أو متى؟
انظر تعليقنا على متى 9:9
اعتراض على لوقا 6:4 - اسم رئيس الكهنة
انظر تعليقنا على مرقس 2:25 و26
اعتراض على لوقا 6:13-16 - أسماء التلاميذ
انظر تعليقنا على متى 10:2-4
قال المعترض: »ورد في إنجيل لوقا 6:40 »ليس التلميذ أفضل من معلمه، بل كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه«. هذا خطأ، لأنه صار ألوف من التلاميذ أفضل من معلميهم بعد الكمال«.
وللرد نقول: وجَّه المسيح هذا القول لقادة الدين اليهود المصابين بالعمى الروحي، ليوضِّح لهم أنه لا يتوقع أن أتباعهم يكونون أفضل منهم. وبما أنهم عميان، كان أتباعهم مثلهم، لأن المسيح في الآية التي قبلها قال: »هل يقدر أعمى أن يقود أعمى؟ أَمَا يسقط الاثنان في حفرة؟ ليس التلميذ أفضل من معلمه«. وأن الواجب عليهم أن يتعلموا الحقائق الإلهية وتعاليم الإنجيل حتى لا يكونوا قادة عميان للناس. وكل من وقف على الحقائق الإلهية وبلغ فيها مبلغاً كاملاً، واتحد قلبه مع الله واستقامت اتِّجاهاته وعواطفه، وتطهَّرت طباعه وتحسنت أخلاقه، لابد أن يكون قدوساً طاهراً منفصلاً عن الخطاة مثل سيده يسوع المسيح، وإن كان لا يبلغ شأو سيده. فالتلميذ الذي يفهم قوانين معلمه ويرى مثاله وقدوته يسير في خطواته، فلذا كان المعلم مسؤولاً عن نفسه وعن غيره.
فالمعلم إذا كان أعمى القلب جرَّ غيره إلى عماه. فهل يظن المعترض أن أمثال هؤلاء يكونون أعظم من معلميهم؟ حاشا وكلا.
اعتراض على لوقا 7:1-10 - قائد المئة أم شيوخ اليهود؟
انظر تعليقنا على متى 8:5-13
اعتراض على لوقا 7:27 - ضمير المتكلم أم ضمير المخاطَب؟
انظر تعليقنا على متى 11:10
قال المعترض: »ورد في لوقا 7:31 »ثم قال الرب: فبمن أشبِّه أُناس هذا الجيل، وماذا يشبهون؟« فقال آدم كلارك: إن عبارة »قال الرب« زيدت، وأخرجها بعضهم من المتن«.
وللرد نقول: سواء جاء في بعض النسخ »قال الرب« أو لم يجئ، فالعبارة هي من أقوال المسيح على كل حال. ولا ننكر أن بعضهم قرأ: »فبمن أشبِّه أُناس هذا الجيل« بدون »قال الرب« فهي قراءة.
اعتراض على لوقا 8:27 - مجنون أم اثنان؟
انظر تعليقنا على متى 8:28
اعتراض على لوقا 8:52 و53 - هل كلام المسيح غامض؟
انظر تعليقنا على يوحنا 2:19-23
اعتراض على لوقا 8:56 - نعلن عن المسيح، أو لا نعلن
انظر تعليقنا على متى 8:4
اعتراض على لوقا 9 - قبل التجلي أم بعده؟
انظر تعليقنا على متى 8:18-22
اعتراض على لوقا 9:3 - عصا، أم بدون عصا؟
انظر تعليقنا على متى 10:10
اعتراض على لوقا 9:21 - نعلن عن المسيح، أو لا نعلن
انظر تعليقنا على متى 8:4
اعتراض على لوقا 9:27 - يرون ابن الإنسان في مجده
انظر تعليقنا على متى 16:27 و28
اعتراض على لوقا 9:44 و45 - هل كلام المسيح غامض؟
انظر تعليقنا على يوحنا 2:19-23
قال المعترض: »جاء في لوقا 9:54-56 »فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا، قالا: يا رب، أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا؟ فالتفت وانتهرهما وقال: لستما تعلمان من أي روح أنتما، لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلِّص«. وهذا منسوخ بما جاء في 2تسالونيكي 2:8 »وحينئذ سيُستَعْلَن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه«. كما أن هناك تناقضاً بين لوقا 9:54-56 وبين ما جاء في لوقا 12:49 »جئت لألقي ناراً على الأرض، فماذا لو اضطرمت؟«. كما أن كريسباخ أسقط الجزء الأخير من هذه الآيات وهو قوله: »لأن ابن الإنسان لم يأت ليُهلك أنفس الناس بل ليخلِّص«.
وللرد نقول: (1) جاء المسيح ليخلِّص الخطاة، وهذا لا ينافي أنه يبيد أعمال الشيطان وعمل الإثم، فإنه قدوس. فلا منافاة بين القولين، ولا ناسخ ولا منسوخ.
(2) هذه العبارة ثابتة في نسخٍ قديمة معتبرة، وتسمية المسيح بابن الإنسان تسمية معروفة ومقبولة، بالنظر إلى تجسّده. فالكتاب المقدس يفسر بعضه. قال الرسول بولس: »قارنين الروحيات بالروحيات« (1كورنثوس 2:13). والغاية من تجسده هي خلاص الإنسان وفداؤه من الخطية ونتائجها.
راجع تعليقنا على متى 5:9.
قال المعترض: »ورد في لوقا 11:51 أن »دم جميع الأنبياء منذ إنشاء العالم، من دم هابيل إلى دم زكريا، يُطلب من اليهود«. وورد في حزقيال 18:20 أنه لا يؤخذ إنسان بذنب آخر. وورد في الخروج 20:5 أن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء إلى ثلاثة أجيال أو أربعة أجيال«.
وللرد نقول: أنذر المسيح بني إسرائيل من التمادي في المعاصي والإصرار على رفض كلامه، الذي هو كلام الحياة الأبدية، وأن الله سيدينهم على عدم الإيمان، وذكّرهم بما فعلوه بالأنبياء من القتل والرجم والنشر، وأن الله سيطالبهم كافة بما فعلوا. لقد أجرى المسيح أمامهم المعجزات الباهرة، من إحياء الموتى وشفاء الأبرص والأكمه والأعمى، ومع ذلك رفضوه. فكان يحقّ له والحالة هذه أن ينذرهم ويحذّرهم من المسؤولية الكبرى التي تقع على رؤوسهم، لأن رفضهم إياه هو رفضٌ لجميع الأنبياء الذين تنبّأوا عنه وشهدوا له.
اعتراض على لوقا 12:11 و12 - الروح يتكلم فيهم
انظر تعليقنا على متى 10:19 و20
اعتراض على لوقا 12:49 - هل جاء المسيح ليلقي ناراَ؟
انظر تعليقنا على لوقا 9:54-56
اعتراض على لوقا 12:51 - هل جاء المسيح بالسلام؟
انظر تعليقنا على إشعياء 9:6 ومتى 10:34
قال المعترض: »جاء في لوقا 16:1-13 مثَل الوكيل الظالم. كيف مدح المسيح هذا الوكيل وهو ظالم؟ وجاء به قول المسيح: »اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم«. فهل المال الذي نقتنيه من الظلم يقبله الله؟«.
وللرد نقول: لم يمدح المسيح كل تصرفات الوكيل الظالم، بل مدح حكمته فقط. فتقول الآية المذكورة »فمدح السيد وكيل الظلم، لأنه بحكمةٍ صنع« لأن هذا الرجل استعد لما يأتي عليه في المستقبل قبل أن يخرج من وكالته. وهذا الاستعداد يرمز في مثل وكيل الظلم لاستعدادنا للأبدية قبل أن نخرج من هذا العالم. والرب بهذا المثل يبكّتنا بالحكمة التي عند أهل العالم، فإن كان أهل العالم (على الرغم من خطاياهم) لهم مثل هذه الحكمة، فإن أبناء الله ينبغي أن يكونوا حكماء أيضاً. لذلك بعد مدحه لوكيل الظلم على حكمته، قال مباشرة: »لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم« (لوقا 16:8).
وهناك نقطة هامة جداً نلاحظها في تفسير الأمثال، هي أن هناك نقطة تشبيه محددة، لا نخرج عنها إلى التعميم. فمثلاً إن امتدحنا الأسد، لا نمتدح فيه الوحشية والافتراس، إنما القوة والشجاعة. وإذا شبهنا إنساناً بالأسد، فلا نقصد أنه حيوان من ذوات الأربع، وإنما نمتدحه على شجاعته وقوته. كذلك في مثل وكيل الظلم ينصبّ المديح على نقطة واحدة محددة هي الحكمة في الاستعداد للمستقبل، وليس كل صفاته الأخرى.
وليس المقصود بمال الظلم المال الحرام الذي يقتنيه الإنسان من الظلم أو من أية خطية أخرى، فهذا لا يقبله الله، لأنه يقول: »لا تُدخل أجرة زانية إلى بيت الرب إلهك« (تثنية 23:18). فالله لا يقبل عمل الخير، الذي يأتي عن طريق الشر. ولكن مال الظلم ليس هو فقط المال الذي تقتنيه من الظلم، إنما هو أيضاً الذي تقع في خطية الظلم إن استبقيته معك. لقد أعطاك الله مالاً، وأعطاك معه وصية أن تدفع العشور. فالعشور ليست ملكك. إنها ملك للرب وللكنيسة وللفقراء. فإذا لم تدفعها تكون قد ظلمت مستحقّيها، وسلبتهم باستبقائها معك، فيكون مالك مال ظلم، إذ يقول الرب: »أيسلب الإنسان الله؟ فإنكم سلبتموني. فقلتم بِمَ سلبناك؟ في العشور والتقدمة« (ملاخي 3:8). ويمكن أن نقول هذا عن كل مال مكنوز عندك بلا منفعة، بينما يحتاج إليه الفقراء، ويقعون في مشاكل بسبب احتياجهم.
فاصنع لك أصدقاء بمال الظلم هذا. أعطه للمحتاجين إليه، وسدّ به أعوازهم، يصبحوا بهذا أصدقاء لك، ويصلّوا من أجلك. ويسمع الله دعاءهم، ويبارك مالك (ملاخي 3:10) فتعطي أكثر وأكثر.
اعتراض على لوقا 18:29 و30 - من ترك امرأة
انظر تعليقنا على مرقس 10:29 و30
اعتراض على لوقا 18:31-34 - هل كلام المسيح غامض؟
انظر تعليقنا على يوحنا 2:19-23
اعتراض على لوقا 18:35 - أعمى أم أعميان؟
انظر تعليقنا على متى 20:30
اعتراض على لوقا 19:29-44 - أتان واحد أم أتانان؟
انظر تعليقنا على متى 21:2
اعتراض على لوقا 20:9-18 - مثَل الكرامين الأردياء
انظر تعليقنا على متى 21:33-44
اعتراض على لوقا 20:15 و16 - يهلكهم أو لا يهلكهم
انظر تعليقنا على متى 21:40 و41
اعتراض على لوقا 21:6 - حجر على حجر
انظر تعليقنا على متى 24:2
قال المعترض: »قال هورن سقطت آية بين الآيتين في لوقا 21:33 و34 والواجب أخذها من متى 24:36 أو من مرقس 13:32 حتى تكون أقوال الرسل متوافقة. ونص هذه الآية: »وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السموات، إلا أبي وحده«.
وللرد نقول: لا يلزم مطابقة أقوال الرسل بعضها لبعضٍ في الكليات والجزئيات من كل وجه، فإن كل نبي يدوّن الوحي الإلهي بالكيفية التي يلهمه بها الروح القدس. فلا بد أن تختلف طرق تعبيرهم. بل إن اختلاف طرق تعبيرهم من أقوى الأدلة على صدق أقوالهم وعدم تواطئهم.
قال المعترض: »جاء في لوقا 22:3-7 »فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الإسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر«. وهذا يناقض قول يوحنا 13:27 »فبعد اللقمة دخله الشيطان. فقال له يسوع: ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة«.
وللرد نقول: لماذا يظن وجود تناقض هنا؟ يقول يوحنا إن الشيطان دخل يهوذا أثناء عشاء الرب الأخير مع تلاميذه. ولوقا يقول إن الشيطان دخله قبل هذا، أي قبل أن يتواعد يهوذا مع اليهود ليسلّمهم سيده.
لقد دخل الشيطان يهوذا أكثر من مرة. ويوحنا نفسه يقول في بدء هذا الأصحاح: »فحين كان العشاء، وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلّمه«. ويتَّضح من هذا أن الشيطان ساد على قلب يهوذا قبل أن يعطيه المسيح تلك اللقمة في العشاء الأخير. فرواية يوحنا نفسه تفيد أن الشيطان دخل يهوذا مراراً. وإثباتاً لهذا نرجع إلى يوحنا 6:70 و71 حيث يقال: »أجابهم يسوع: أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر، وواحد منكم شيطان؟ قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي، لأن هذا كان مزمعاً أن يسلّمه، وهو واحد من الاثني عشر«. فيمكن أن يُقال عن يهوذا إنه كلما كانت تدبّ في قلبه فكرة الخيانة لسيده، كان الشيطان يدخله.
قال المعترض: »الذي يقارن بين لوقا 22:17 وما ورد في متى 26:28 ومرقس 14:22 و23 في موضوع العشاء الرباني، يجد أن لوقا ذكر كأسين: واحدة على العشاء والأخرى بعده، بينما ذكر متى ومرقس كأساً واحدة«.
ثم أن رواية لوقا تقول إن جسد المسيح مبذول عن التلاميذ، بينما رواية متى تقول إنه مبذول عن كثيرين، ورواية متى لا تقول إن جسده مبذول«.
وللرد نقول: (1) حلَّت فريضة العشاء الرباني في العهد الجديد محل وليمة الفصح في العهد القديم، فيلزم أن نوضح ما كان يحدث في عيد الفصح: كان اليهود يحتفلون به تذكاراً لعتقهم من ذلّ المصريين، وتذكاراً لنجاة أبكارهم من الموت وهلاك أبكار المصريين. وفي اليوم العاشر كان رئيس كل عائلة يأخذ حملاً عمره سنة (خروج 12:1-6) وفي اليوم الرابع عشر يذبحه أمام المذبح. ولما كان بنو إسرائيل في مصر رشّوا دم هذا الحمل على العتبة العليا، فلما رأى الملاك الدم لم يمس البيت بضرر (خروج 12:7). ولما خرجوا من مصر كانوا يرشون الدم أمام المذبح، ويشوون الحمل ويضعون فيه سيخاً على طوله، وسيخاً على عرضه، على هيئة صليب، ولا يكسرون عظماً من عظامه، وهو إشارة إلى المسيح (يوحنا 19:36 و1كورنثوس 5:7). وكيفية احتفالهم به أن يقدموا الشكر لله، ثم يشربون كأس نبيذ ممزوجاً بماء، هذه كانت أول كأس. وبعد ذلك كانوا يغسلون أيديهم، ثم يشكرون الله، ثم يضعون على المائدة أعشاباً مُرَّة والفطير والحمل ومرقةً من بلحٍ وتين وزبيب، ثم يأخذون قليلاً من الأعشاب ويقدمون شكراً لله، ثم يأكلونها ويرفعون الصحون، ويضعون أمام كل محتفل كأس نبيذ كما فعلوا في أول الأمر. وسبب رفع الصحون هو حمل الأولاد على الاستفهام عن سبب هذا، فيشرع رئيس العائلة في توضيح ما قاساه اليهود في مصر من الذل والعبودية، وكيفية إنقاذهم، وأسباب الاحتفال بعيد الفصح.
ثم يؤتى بالصحون ثانية، ويقول هذا هو الفصح الذي نأكله، لأن الرب عبر عن بيوت آبائنا في مصر. ثم يمسك الأعشاب ويقول إنها تشير إلى مرارة الذل. ويمسك الفطير ويقول إنه يشير إلى سرعة ارتحالنا من مصر. ثم يغسلون أيديهم ويأكلون. ويقرأ رب العائلة مزموري 113 و 114 ويصلي، ثم يشربون ما يكون أمامهم، وهي الكأس الثانية. ثم يغسلون أيديهم ثانية ويأكلون الطعام. ثم يغسلون أيديهم ويشربون كأساً ثالثة تسمى »كأس البركة« لأن رئيس العائلة يقدم الشكر لله. وكانوا يشربون كأساً رابعة قبل انصرافهم تُسمَّى »كأس التهليل« لأنهم كانوا يرتلون مزامير 115-118. وقد حافظ المسيح على هذه الطقوس لأنها كانت تدل عليه.
ثم رسم المسيح العشاء الرباني بعد عشاء الفصح تذكاراً لموته لأنه هو فصحنا، وبه تحررنا من عبودية إبليس التي هي أشد من عبودية فرعون في مصر، فوضع العشاء الرباني تذكاراً للخلاص الذي صنعه لنا ليعتقنا من عبودية إبليس، وليشدد عزائمنا وقت التجارب والمصائب. وكيفية رسم المسيح للعشاء الرباني هي أنه أخذ خبزاً وبارك وكسّر، وقال: »خذوا كلوا هذا هو جسدي«. فالخبز هو بمنزلة حمل الفصح، فكما أن الحمل كان يشير إلى خلاص بني إسرائيل من العبودية، فكذلك الخبز يشير إلى جسد المسيح الذي كُسر لأجلنا على الصليب. وكما أنه يلزم لتغذية الإنسان كَسْر الخبز ومضْغه، فكذلك لزم بذل جسد المسيح ليصير خبزاً لحياة أنفسنا. وكما أن حياتنا تتعلق على الخبز الذي أعدَّه الله من كرمه وجوده ولطفه لأجسادنا، فكذلك حياتنا الأبدية تتوقف على ذبيحة جسد المسيح على الصليب. وكان بنو إسرائيل يسفكون دم حمل بلا عيب أمام المذبح، فأشار المسيح إلى هذه الذبيحة بقوله: »هذا هو جسدي الذي يُبذل لأجلكم«. وهو هبة مجانية، وكذلك أخذ الكأس وشكر وأعطى تلاميذه وقال: »هذا هو دمي«. يعني أنه يشير إلى سفك دمه، لأنه »بدون سفك دم لا تحصل مغفرة« (عبرانيين 9:22). فهذا هو ترتيب فصح اليهود ورسم العشاء الرباني.
(2) صحيحٌ أن لوقا ذكر كأسين، وذكر متى ومرقس كأساً واحدةً، لأن متى ومرقس ذكرا الكأس المختصة بالعشاء الرباني، وهي المقصودة بالذات. أما لوقا فأشار إلى الكأس التي كانت تُؤخذ قبل العشاء، ثم ذكر الكأس التي أشار بها إلى سفك دمه، وبهذا يظهر بطلان اعتراضات المعترض.
(3) من تأمل فيما ورد في متى 26:26-28 ومرقس 14:22-24 ولوقا 22:19 و20 وجد أن العبارات كلها لا تناقض فيها. وقول المسيح: »هذه الكأس« (أي الخمر الذي فيها) هو من إطلاق الظرف على المظروف، فالكأس تشير إلى دم المسيح للعهد الجديد، تمييزاً له عن العهد القديم الذي صنعه الله مع اليهود بسفك دم الذبائح (خروج 24:8) ويأخذ الكاهن الدم ويرشه على الشعب ويقول: »هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم«.
وقد أطلق أنبياء التوراة على المسيح أنه ذبيحة العهد، فدم المسيح هو دم العهد الجديد، لأن بواسطة دمه تصالح الناس مع الله. وكان العهد القديم يقوم بسفك دماء حيوانات، ولكنها لم تكن كافية للخلاص، بخلاف دم المسيح فإنه كافٍ لمغفرة الخطايا، لأنه حياة المسيح. فقوله »دمه يُسفك عن كثيرين« هو بمنزلة حياته، وهو من إطلاق الجزء على الكل.
(4) بذل المسيح حياته عن الخطاة، أو قام مقامهم. فبموته يخلص كل من يؤمن به، فإنه وفى للعدل الإلهي حقَّه، فإن الله حكم على كل خاطئ بالموت، والمسيح مات عوضاً عنه. فقول متى ومرقس إن »دمه يُسفك عن كثيرين« يعني حياته كلها. ولما كان الدم هو مركز الحياة اقتصرا عليه. وقول لوقا إن جسده يُبذل ودمه يُسفك لا يناقض قول متى ومرقس، إذ لا يُعقل أن يُسفك دم إنسان بدون أن يُبذل جسده. فكلما تحقق أحدهما تحقق الآخر، ولك أن تقول إن لوقا استعمل في كلامه دلالة المطابقة، والرسولان الآخران استعملا دلالة الالتزام.
قال المعترض: »كيف يكون السيد المسيح صانع السلام وملك السلام، وهو يقول لتلاميذه: »من ليس له سيف فليبِع ثوبه ويشتر سيفاً« (لوقا 22:36). وما معنى أمره لتلاميذه بشراء السيف؟ ولماذا لما قالوا له »هنا سيفان« أجاب »يكفي« (لوقا 22:38).
وللرد نقول: لم يقصد المسيح مطلقاً السيف بمعناه المادي الحرفي، بدليل أنه بعد قوله هذا بساعات، في وقت القبض عليه، استل بطرس سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فأمره المسيح: »رُدَّ سيفك إلى غمده« (يوحنا 18:10) »لأن كل الذين يأخذون السيف، بالسيف يهلكون« (متى 26:51 و52). فلو دعا المسيح لاستخدام السيف، ما كان يمنع بطرس عن استخدامه في مناسبة كهذه. ولكن المسيح كان يقصد المعنى الرمزي للسيف، أي الجهاد. كان يكلمهم وهو في طريقه إلى جثسيماني (لوقا 22:39) قبل تسليمه ليُصلب، ولذلك بعد أن قال »فليبِع ثوبه ويشترِ سيفاً« فقال مباشرة: »لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتم فيَّ أيضاً هذا المكتوب »وأُحصِي مع أثمة« (لوقا 22:37) كأنه يقول لهم: حينما كنت معكم، كنت أحفظكم بنفسي. كنت أنا السيف الذي يحميكم. أما الآن فأنا ماضٍ لأُسلَّم إلى أيدي الخطاة، وتتم فيّ عبارة »وأُحصي مع أثمة«. اهتموا إذاً بأنفسكم، وجاهدوا. وما دمت سأفارقكم، فليجاهد كل منكم جهاد الروح، ويشترِ سيفاً.
وقد تحدث بولس عن »سيف الروح« و»سلاح الله الكامل« ، و»درع البر، وترس الإيمان« (أفسس 6:11-17). وهذا ما كان يقصده السيد المسيح »لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس« في تلك الحرب الروحية.
ولكن التلاميذ لم يفهموا المعنى الرمزي وقتذاك. فقالوا: »هنا سيفان« . كما لم يفهموا من قبل المعنى الرمزي في قوله: »احترزوا من خمير الفريسيين« يقصد رياءهم (لوقا 12:1)، وظنوا أنه يتكلم عن الخبز (مرقس 8:17). هكذا قالوا وهو يكلمهم عن سلاح الروح »هنا سيفان« ، فأجابهم: »يكفي«. أي يكفي مناقشة في هذا الموضوع، إذ الوقت ضيق حالياً. ولم يقصد السيفين بعبارة »يكفي« وإلا كان يقول »هذان يكفيان«. ولعله قصد بقوله: »يكفي« : »يكفي عدم فهمكم للمعاني الروحية التي أقصدها، كما لم تفهموني في السابق«.
انظر تعليقنا على متى 5:39.
قال المعترض: »شكَّ بعض القدماء في وجود لوقا 22:43 و44«.
وللرد نقول: الحقيقة هي أن ما جاء في لوقا 22:43 و44 لم يوجد في بعض النسخ، كما أنه في بعض النسخ وُضع بين قوسين، فظن أبيفانيوس وهيلاري وإيرونيموس أنهما ساقطتان من بعض نسخ يونانية ولاتينية. ولو أنهما موجودتان في أغلب النسخ القديمة بدون قوسين، ما عدا النسخة الصعيدية. وأيَّد صحتهما جستن الشهيد وهيبوليتوس وإيريناوس وأبيفانيوس وفم الذهب وتيودور وتيطس من بسترا. وكيف يقدر أحد أن يحذف آيتين بدون أن يشنّع أئمة الدين وعلماء الكنيسة المسيحية عليه؟ ثم إن خصومه كانوا واقفين له بالمرصاد، فلا يجسر على عمل شيء من ذلك بدون أن يُكشف أمره، ولا سيما أن هذه الأناجيل كانت تُقرأ في المعابد، وكانت الديانة المسيحية منتشرة في أنحاء الدنيا.
اعتراض على لوقا 22:54-61 - إنكار بطرس
انظر تعليقنا على متى 26:69-75
اعتراض على لوقا 22:63 - المسيح شُمخ عليه
انظر تعليقنا على غلاطية 6:7
اعتراض على لوقا 23:8 - أي هيرودس؟
انظر تعليقنا على متى 2:19
اعتراض على لوقا 23:11 - الاستهزاء بالمسيح
انظر تعليقنا على متى 27:27 و28
قال المعترض: »ورد في إنجيل لوقا 23:26 »ولما مضوا به أمسكوا سمعان، رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع«. وورد في يوحنا 19:16 و17 »فأخذوا يسوع ومضوا به، فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يُقال له موضع الجمجمة حيث صلبوه«.
وللرد نقول: من قوانين الرومان أنه إذا حُكم على مذنب بالإعدام، ألزموه أن يحمل صليبه. وقد أشار بلوتارك إلى ذلك عند كلامه على بلايا الرذيلة، فقال: »إن كل رذيلة تنتج شقاءً وعذاباً خاصاً، كما أنه إذا حُكم على إنسان بالإعدام حمل صليبه«. فالمسيح بموجب هذا القانون حمل صليبه إلى محل الصلب.
وتفيد عبارة البشير لوقا ذلك، مثل عبارة يوحنا. فإنه قال: »ولما مضوا به أمسكوا رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع«. يعني لما حمل المسيح الصليب على كتفه كالعادة وسار به مسافة، ضعُفت قواه الجسدية وتعذّر عليه المشي. فوجدوا في الطريق سمعان القيرواني، والأرجح أنه كان من العبيد، لأنهم لا يكلّفون الأحرار بمثل هذا العمل الذي كان يُعتبر أعظم هوان، وسخّروه في مساعدة المسيح على حمل الصليب، لأنه قال: »وضعوه عليه ليحمله خلف المسيح« فقد حمله سمعان كما أن المسيح حمله أيضاً. فلا منافاة بين القولين.
قال المعترض: »قال المسيح: »يا أبتاه اغفر لهم« (لوقا 23:34) فلماذا لم يقل: »مغفورة لكم خطاياكم« كما قالها من قبل؟«.
وللرد نقول: كان السيد المسيح على الصليب يمثل البشرية وينوب عنها في دفع ثمن الخطية للعدل الإلهي. »كلنا كغنم ضللنا. مِلنا كل واحد عن طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا« (إشعياء 53:6). لذلك كان على الصليب »محرقة سرور للرب« (لاويين 1:9). وكان ذبيحة خطية. وكان أيضاً »فصحاً« (1كورنثوس 5:7). كان يقدم للآب كفارة عن خطايانا. وإذ قدم هذه الكفارة كاملة، قال للآب: »اغفر لهم«. أي »أنا وفيت العدل الذي تطلبه أيها الآب، فاغفر لهم«. فلم يعُد هناك عائق من المغفرة، فاغفر لهم. كان يتكلم كشفيع وكنائب عن البشرية أمام الآب عن كل خاطئ منذ آدم إلى آخر الدهور.
وفي هذه الطلبة كان يعلن تنازله عن حقه الخاص تجاه صالبيه الذين أهانوه بلا سبب، وحكموا عليه ظلماً، وألصقوا به تهماً باطلة، وأثاروا الشعب وهم لا يدرون ماذا يفعلون.
ولكن في مواضع أخرى قام بالغفران بنفسه كإله، كما قال للمفلوج: »مغفورة لك خطاياك« (مرقس 2:5) مثبتاً بذلك لاهوته وسلطانه على مغفرة الخطايا. وقال للخاطئة (في بيت سمعان الفريسي) »مغفورة لك خطاياك« (لوقا 7:48). ولم يفارقه هذا السلطان وهو على الصليب، فغفر للص التائب وقال له: »اليوم تكون معي في الفردوس« (لوقا 23:43). وبهذا أعلن له مغفرة خطاياه.
اعتراض على لوقا 23:36 - ماذا شرب المسيح؟
انظر تعليقنا على متى 27:34
اعتراض لوقا 23:38 - العنوان على الصليب
انظر تعليقنا متى 27:37
اعتراض على لوقا 23:42 و43 - تعيير اللِّصين
انظر تعليقنا على متى 27:44
اعتراض على لوقا 23:46 - لماذا تركتني؟
انظر تعليقنا على متى 27:46
اعتراض على لوقا 24:12 - قصة القيامة
انظر تعليقنا على متى 28:1-15
قال المعترض: »هناك اختلاف حول مكان صعود المسيح. فيقول في لوقا 24:50 و51 »وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وصعد إلى السماء«. ولكن يقول في أعمال 1:9 و12 »ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم. حينئذٍ رجعوا إلى أورشليم من جبل الزيتون«.
وللرد نقول: يسهل التوفيق بين هذين الفصلين على من كانت له ولو معرفة قليلة بجغرافية أورشليم وما حولها. فبيت عنيا واقعة على المنحدر الشرقي من جبل الزيتون. نعم إن يسوع خرج بتلاميذه إلى بيت عنيا، وهناك (أي على جبل الزيتون) صعد إلى السماء. وإذ ذاك يُصْدق الراوي إذا قال إن يسوع صعد من جبل الزيتون كما لو قال إنه صعد من بيت عنيا. ومما يجب ذكره أن كاتب سفر الأعمال هو لوقا نفسه، فلا يمكن إذاً أن يناقض نفسه.