الفصل الرابع والثلاثون
وظيفة المسيح الكهنوتية
1 - من هو الكاهن، وما هي وظيفته؟
* نعرف الإجابة من ثلاثة أمور:
(1) من الاستعمال الشائع في اللغات الشرقية واصطلاحاتها في كلمة «كاهن».
(2) من نصوص الكتاب المقدس.
(3) من الأعمال الخاصة بهذه الوظيفة.
وبالنظر إلى هذه الأمور نتعلّم أن:
(1) الكاهن معيّن ليقوم بأعمال البشر أمام الله،. فالبشر خطاة لا يحقّ لهم القدوم إلى الله، ولذلك يجب تعيين من له ذلك الحق في نفسه أو من يُنعم الله عليه بذلك. فلهذا يكون الكاهن وسيطاً بين الله والناس.
(2) الكاهن معيّن ليقدم قرابين وذبائح عن الخطايا، وظيفته أن يصالح البشر مع الله، ويكفّر عن خطاياهم، ويقدم أشخاصهم واعترافاتهم وقرابينهم لله.
(3) الكاهن يشفع في الشعب، لا بمجرد الصلاة لأجله كما يصلي إنسان لأجل آخر، بل بشفاعة خاصة بوظيفته.
وهذا التعريف ذو شأن عظيم، ويجب إثبات صحته.
2 - ما هي الأدلة على صحة هذا التعريف، وعلى أن المسيح كاهنٌ بهذا المعنى؟
* لنا الأدلة الآتية: (1) استعمال هذه الكلمة الشائع وحقيقة الكهنوت عند جميع الأمم وفي كل القرون، فقد شعر البشر بالخطية في كل مكان وزمان، وأحسّوا بالإثم والفساد، وأن لا حقّ لهم في الاقتراب إلى الله. وكانت ضمائرهم دائماً تعلّمهم ضرورة التكفير عن الخطية بإيفاء العدل الإلهي حقه رغم عجزهم وعدم أهليتهم ليقدّموا كفارة كافية ليحصلوا على رضى الله باجتهادهم. ولذلك ابتغوا دائماً إنساناً فريداً أو رتبةً من الناس يعملون بالنيابة عنهم ولأجلهم ما كان يجب أن يعملوه لأجل أنفسهم، ولكنهم عجزوا. ولهذا أقاموا الكهنة ليستعطفوا الله بواسطة الذبائح الكفارية والتقدمات والصلوات. وعلى هذا فالقول إن الكاهن معلم ديني فقط يخالف شهادة التاريخ.
(2) استعمال كلمة «كاهن» وحقيقة وظيفته في النظام الموسوي. فالكاهن في العهد القديم إنسانٌ مختار من الشعب، معيّن للوساطة بينهم وبين الله، وللاقتراب إليه عنهم، ولتقديم ذبائح كفارية، وللشفاعة في الخطاة. ولم تأذن الشريعة الموسوية للشعب أن يقتربوا من الله، وسمحت بذلك للكاهن فقط، ولا سيما رئيس الكهنة الذي كان يدخل إلى داخل الحجاب بالدم الذي كان يقدمه عن نفسه، ثم عن خطايا الشعب. وكل ذلك تمثيلي ورمزي، لأن الكهنة اللاويين كانوا رموزاً والمسيح مرموزاً إليه. وكل ما كان رمزاً في وظيفتهم وأعمالهم تمّ فيه. هم كانوا الظل وهو الحقيقة، وهم علّموا الشعب الطريق التي ستُنزع بها الخطية وهو نزعها بالفعل. فإذا أنكرنا كهنوت المسيح حسب معنى هذه اللفظة في العهد القديم، نبطل معنى الكتاب المقدس، الأمر الذي يؤدي إلى مبادئ تفسيرٍ تغيّر كل تعليم الكتاب.
(3) تعريف الكاهن وبيان حقيقة وظيفته في العهد الجديد. قال الرسول «لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يُقام لأجل الناس (أي لأجل خيرهم وفي مكانهم) في ما لله، ليُقدّم قرابين وذبائح عن الخطايا» (عب 5: 1). فالكاهن إنسان معيّن لأجل الآخرين، يقترب إلى الله ويقدم ذبائح.
(4) ما ورد في الرسالة إلى العبرانيين، فإن الرسول سمّى المسيح فيها «كاهننا» وبيّن ما يأتي: (أ) للمسيح جميع الصفات التي تؤهّله لتلك الوظيفة. (ب) تعيّن المسيح من الله. (ج) المسيح كاهنٌ على رتبة أعلى من رتبة هارون. (د) كهنوت المسيح يبطل كل كهنوت آخر ويُغني عنه. (هـ) قام المسيح بكل أعمال تلك الوظيفة، وهي الوساطة والذبيحة والشفاعة. (و) فاعلية ذبيحة المسيح كاملة ودائمة، فلا احتياج إلى تكرارها. فبتقديم نفسه مرة واحدة حصل لنا على فداءٍ أبدي.
(5) فوائد ممارسة المسيح هذه الوظيفة لأجلنا وهي: (أ) التكفير عن الخطايا. (ب) استعطاف الله، أي إرضاؤه. (ج) مصالحتنا معه الناتجة من التكفير والاستعطاف. ومن كل ذلك تصدر جميع البركات الداخلية الروحية، والحياة الأبدية، التي لا يمكن الحصول عليها بواسطة التعليم والآداب والقدوة، ولا بواسطة تغييرٍ داخلي فينا.
وعلى هذا فإن المسيح هو كاهنٌ بالحقيقة حسب معنى هذه الكلمة تماماً.
ومن أهم تعاليم الكتاب المقدس في الوظيفة الكهنوتية:
(1) يجب أن يقوم الكاهن من بين البشر لينوب عنهم (عب 5: 1، 2 وخر 28: 9، 12، 21، 29).
(2) يجب أن يختار الله الكاهن ويفرزه لخدمته وعمله (عب 5: 4 وعدد 16: 5).
(3) يجب أن يكون الكاهن قدوساً طاهراً مكرساً لخدمة الرب (لا 21: 6، 8 ومز 106: 16 وخر 39: 30، 31).
(4) يكون للكاهن حق الاقتراب إلى الله بتقديم الذبائح والشفاعة في الشعب (عد 16: 5 وخر 19: 22 ولا 16: 3، 7، 12، 15).
فالكاهن بموجب ما سبق وسيطٌ من بين البشر ليقف أمام الله أولاً لأجل تقديم الذبائح (عب5: 1-3) وثانياً لأجل الشفاعة (خر 30: 8 ولو 1: 10 ورؤ 5: 8 و8: 3، 4). وقد دُعي المسيح كاهناً في الكتاب المقدس (مز 110: 4 وعب 5: 6 و6: 20 وزك 6: 13) ونُسبت إليه الأعمال الكهنوتية (إش 53: 10، 12 ودا 9: 24، 25) وكان هو المرموز إليه في الكهنوت اللاوي، ولاسيما في رئيس الكهنة وفي الذبائح. وقد أوضح كاتب الرسالة إلى العبرانيين ذلك. وكان المسيح إنساناً من بني جنسنا (عب 2: 16 و4: 15) ومختاراً من الله (عب 5:5، 6) قدوساً وطاهراً (لو 1: 35 وعب 7: 26) وله حق الاقتراب إلى الله والقبول لديه في النيابة عنا كرئيس كهنتنا العظيم (يو 16: 28 و11: 42 وعب 1: 3 و9: 11-14). فالقول إن المسيح كاهنٌ لينوب عنا في ما يختص بالله بالذبائح والشفاعة من أوضح تعاليم الكتاب المقدس.
3 - برهن من الكتاب المقدس أن المسيح تمم وظيفة الكاهن.
* وظيفة الكاهن هي أولاً الكفارة، وثانياً الشفاعة. وقد قلنا إن المسيح توسّط بين الله والناس (يو 14: 6 و1تي 2: 5 وعب 8: 6 و12: 24) وإنه قدم نفسه ذبيحة كفارية (أف 5: 2 وعب 9: 26 و10: 12 و1يو 2: 1). وقد أجرى المسيح هذه الأعمال الكهنوتية حقيقةً لا مجازاً، لأنه كان المرموز إليه في العهد القديم. والرمز إشارة إلى ما هو حقيقي. ولا يكون الرمز إشارة إلى رمزٍ آخر (عب 9: 10 -12 و10: 1 وكو 2: 17). وتمم المسيح هذه الوظيفة العظيمة جزئياً على الأرض (عب 5: 7-9 و9: 26-28 ورو 5: 19) وتممها كلياً في السماء حيث قدم ذبيحته في قدس الأقداس السماوية، وهو حي إلى الأبد يشفع فينا (عب 7: 24، 25 و9: 12، 24).
4 - كيف يتكلم الكتاب المقدس عن كهنوت المسيح؟
* كلام الكتاب المقدس عن كهنوت المسيح مؤسس على الاصطلاحات والفرائض المختصة بالذبائح والخدمة الكهنوتية في النظام الموسوي. غير أنه ذكر أن المسيح كاهنٌ وذبيحةٌ معاً، أي أنه قدّم الذبيحة باعتباره كاهناً، وأن الذبيحة التي قدمها كانت نفسه. وكان باعتباره «ذبيحة بلا عيب» كافياً مقبولاً كاملاً، لأنه حمل الله المذبوح لأجل خطايا العالم. وكان باعتبار كهنوته كاهناً تمّت فيه جميع شروط تلك الوظيفة وما تقتضيه، بل كان على رتبة الكهنوت اللاوي وعلى رتبة ملكي صادق أيضاً.
وفي الكتاب المقدس استعارات أخرى، غير ما أُخذ من الفرائض الموسوية لشرح عمل المسيح الكهنوتي، منها ما أُخذ من مصطلحات التجارة باعتبار الخاطئ مديوناً للعدل الإلهي سدد المسيح ديْنَه. ومنها ما أُخذ من مصطلحات المحاكم باعتبار الخاطئ مذنباً يبرره الله ببرّ المسيح، وباعتباره عاصياً يحصل على العفو بواسطة توسُّط المسيح وشفاعته. والأمر الجوهري في كل هذه الاستعارات هو أن المسيح وسيط يرفع الخطية وينقذ المذنب من لعنة الشريعة بتقديم ذبيحةٍ نيابية تُعتبر وسيلةً كافية تنقذ الخاطئ من الدينونة وتفتح له باب المصالحة مع الله. فبهذا المعنى كانت وساطة المسيح من أولها إلى آخرها ذبيحةً نيابية لأجل خلاص البشر.
5 - بماذا ارتفع شأن كهنوت المسيح على الكهنوت اللاوي؟
* (1) بسمو شخصه فإن الكهنة اللاويين كانوا بشراً، بينما المسيح ابن الله الأزلي. وهم كانوا خطاة كان يجب أن يقدموا ذبائح أولاً عن خطاياهم وبعد ذلك يقدمون ذبائح عن خطايا الشعب، بينما المسيح قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات (عب 7: 26، 27) وكان اقترابه إلى الله على سبيل الاتحاد السري الذي لا يقدر عليه أحدٌ من البشر سواه (يو 10: 30).
(2) بقيمة ذبيحة المسيح الفائقة، فإن ذبائح اللاويين عاجزة بذاتها عن التطهير من الخطية، وكانت تتكرر على الدوام، وكانت رمزاً للذبيحة المنتظرة (عب 10: 1-4). ولكن ذبيحة المسيح فعالةٌ ولم تتكرر (عب 10: 10-14).
(3) كهنوت المسيح لا يزول خلافاً لكهنوت اللاويين الذي كان ينتقل من شخص إلى آخر على توالي الأزمنة، لأن الكهنة يموتون (عب 7: 24). وأُقيم اللاويون كهنةً بلا قَسَم، ولكن المسيح بقسم (عب 7: 20-22).
(4) كهنوت المسيح مختصٌّ بالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيدٍ، أي الذي ليس من هذه الخليقة، وهو قدس الأقداس السماوي. وهناك يظهر المسيح الآن أمام وجه الله لأجلنا (عب 9: 11-24). ويقدم المسيح شفاعته من العرش السماوي، ولها فعلٌ مطلَق لا يُرد (رو 8: 34 وعب 8: 1، 2).
(5) المسيح نبي وكاهن وملك معاً خلافاً لكهنة العهد القديم (زك 6: 13).
6 - بأي معنى كان المسيح كاهناً على رتبة ملكي صادق؟
* كان كهنوت نسل هارون رمزاً إلى كهنوت المسيح، غير أن ذلك الرمز كان ناقصاً في بعض الأمور، فلم يُشِر إلى حقائق ظهرت في المرموز إليه. مثلاً كان الكهنوت اللاوي كهنوت أشخاص قابلين للموت ينتقل كهنوتهم على توالي الأزمنة. ولم يكن لأحدٍ منهم امتيازٌ ملكي في كهنوته. ولكن «ملكي صادق» ظهر بغتة في تاريخ العهد القديم كاهناً وملكاً، وسُمي «ملك البر وملك السلام» (تك 14: 18). ولا نعرف من أمره سوى أنه كان ملكاً وكاهناً، وأنه في وظيفته كان بلا سابق وبدون خلف، فلا أحدٌ سبقه ولا أحد خلفه في وظيفته الخاصة، ولذلك (كما قالت رسالة العبرانيين) كان مشبَّهاً بابن الله (عب 7: 1-3 ومز 110: 4). وقيل إن المسيح كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق بمعنيين: (أ) أنه يشير إلى كهنوت أبدي و(ب) أنه يشير إلى اجتماع الوظيفة الملكية والوظيفة الكهنوتية في شخص المسيح.
7 - كيف نبرهن أن المسيح كاهننا الوحيد؟
* يتبرهن هذا من حقيقة هذه الوظيفة، ومن القصد بها:
(1) ليس لأحدٍ من البشر غير المسيح حق القدوم إلى الله، لأن كل البشر خطاة يحتاجون إلى من يقترب إلى الله عنهم.
(2) لا تقدر ذبيحة غير ذبيحة المسيح أن تنزع الخطية.
(3) يرحم الله الخطاة بواسطة المسيح فقط.
(4) تصل الفوائد الصادرة من رضى الله إلى شعبه بواسطة المسيح وحده.
ولقد ذكرنا أن كهنة العهد القديم كانوا أمثلة ورموزاً للمسيح الكاهن الحقيقي، وأن ذبائحهم لا تقدر أن تطهر الضمير من الخطية بل تقتصر على التطهير الطقسي. وكانت فائدتها تكمن في أنها رموز إلى ذبيحة المسيح الحقيقية التي هي موضوع الإيمان وأساس الثقة. ومِن ثمّ (كما قال الرسول) «كانت تُقدم على الدوام» لأنها كانت بلا فاعلية في نفسها، فكان الشعب محتاجاً إلى أن يعترف دائماً بإثمه، وباحتياجه إلى ذبيحةٍ فعالة هي ذبيحة المسيح، التي تنبأت عنها الأسفار المقدسة.
8 - بيّن خطأ الاعتقاد أن وظيفة الكاهن البشري مستمرة في الكنيسة المسيحية؟
* لم يكن كهنة العهد القديم كهنةً بالحقيقة إلا من حيث وظيفتهم الرمزية، فكم يكون خدام الإنجيل! ولكن الكنائس التي تعتبر القسيس كاهناً تبني اعتقادها على:
(1) أنه يتوسط بين الله والشعب.
(2) ويقولون إنه يقدِّم ذبائح كفارة.
(3) في حِلِّه للخاطئ يدَّعي الشفاعة الفعّالة، وأنه بسلطانه يجعل الذبيحة عن الخطية فعّالة في تخصيصها للأشخاص المقدَّمة عنهم. مع أن هذا هو الأمر الجوهري في شفاعة المسيح.
فهُم يزعمون أنهم وسطاء، لأنهم يقولون إن الخاطئ لا يقدر أن يقترب إلى الله وينال الغفران والنعمة بواسطة المسيح إلا بواسطة عملهم، ويقولون إنهم يقدمون ذبائح لأنهم يدَّعون أنهم يقدمون (في العشاء الرباني) جسد المسيح الحقيقي ودمه إلى الله كفارة عن خطايا الشعب، ويقولون إنهم شفعاء ليس كما يصلي إنسان لأجل آخر، بل كمن له سلطان أن يغفر الخطايا. ولذلك يدّعون أن لهم سلطان الحياة والموت، أو مفاتيح ملكوت السموات، فيربطون ولا يقدر أحد أن يحل، ويحلّون ولا يقدر أحد أن يربط، وهذا هو أسمى سلطان ادّعاه إنسانٌ في العالم على غيره. واعتراف الشعب لهم به يجعل الشعب يخضع لهم الخضوع المطلق. ويتضح بطلان هذه العقيدة مما يأتي:
(1) عدم استعمال كلمة «كاهن» لخدام الدين في العهد الجديد. نعم لُقّبوا بألقاب كرامة مناسبة لهم مثل «أساقفة النفوس» و«رعاة» و«معلمين» و«قسوس» و«خدام الله» و«وكلاء أسرار الله» و«نُظّاراً». ولكنهم لم يُسموا «كهنةً» البتة. وبما أن الكتَبة الأطهار كانوا يهوداً، كانت كلمة «كاهن» مألوفةً جداً عندهم، لأنها الاسم الذي أطلقوه على خدام ديانتهم. فعدم استعمالهم إياها ولو مرةً واحدة، وعدم استعمال شيءٍ مِن متعلّقاتها لخدام الإنجيل (سواء كانوا رسلاً أم قسوساً أم مبشّرين) يؤكد خطأ ادعاء من ينادون باستمرار وظيفة الكاهن البشري.
(2) عدم نسبة عمل كهنوتي إلى خدام الدين المسيحي في العهد الجديد، فلم يقل الإنجيل أبداً إنهم يتوسّطون بين الله والناس، أو إنهم يقدمون ذبائح عن الخطايا، أو إن لهم سلطاناً على الشفاعة يتفرّدون به على غيرهم من المؤمنين.
(3) نصّ العهد الجديد على أن جميع المؤمنين بالمسيح هم بمنزلة كهنة، لهم حق القدوم بواسطة المسيح الذي جعل جميع شعبه ملوكاً وكهنة لله (رؤ 1: 6 و5: 10).
(4) هذا التعليم يقلل من شأن المسيح الذي جاء للعالم ليكون الوسيط بين الله والناس، ويوفي ديون خطايانا، ويمنحنا الغفران والمصالحة مع الله. فإذا اعتقدنا أننا لا نزال نحتاج إلى وساطة البشر الكهنوتية نكون قد اعتبرنا أن خدمة المسيح ناقصة.
(5) علّم الكتاب صريحاً عكس هذا التعليم، ومن ذلك أن للبشر في كل مكان حرية القدوم إلى المسيح وبواسطته إلى الله، وأننا بالإيمان به ننال الشركة في جميع فوائد فدائه. ولذلك يكون كل تائبٍ حقيقي مثل اللص على الصليب، قريباً من الله يُرجى قبوله، وله الحق أن يدعو باسم الرب. فيلزم من ذلك أن تعليم ضرورة توسّط البشر للبشر أو شفاعتهم لنوال خلاص نفوسنا يناقض أوضح تعاليم كلمة الله.
(6) يناقض هذا التعليم اقتناع شعب الله في جميع القرون، فقد آمنوا أن لهم بواسطة المسيح والروح القدس حرية القدوم إلى الله، فهكذا نادى الكتاب والروح القدس. وهم يعرفون أن التعليم الذي يُخضعهم للكهنة الذين يقولون إن لهم سلطاناً أن يهبوا النعمة والخلاص ليس من الله، وأنه ينتهي بعبودية البشر للبشر!
(7) جميع المبادئ التي يُسندون إليها تعليم كهنوت القسوس خاطئة، فلا صحّة لقولهم إن القسوس رتبة خاصة من الشعب، يمتازون عنهم بالمواهب الخارقة التي وصلتهم بواسطة سر الكهنوت، ولا أن الخبز والخمر يتحوَّلان إلى جسد المسيح ودمه بواسطتهم، ولا أن العشاء الرباني ذبيحة وكفارة نافعة لمغفرة الخطايا ونوال الفوائد الروحية عن يد الكاهن.
فيتضح مما تقدّم أن المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والناس، وأنه وحده رئيس كهنة اعترافنا ووحده فيه كفايتنا في كل شيء (عب 2: 17 و3: 1 و4: 14 و8: 1).
ونحن نعلم أنه عند ظهور المرموز إليه ينتهي الرمز، ولاسيما إذا تم الرمز أكمل تمام. ومن المعلوم أن الكهنوت الرمزي تم في كهنوت المسيح تماماً أبدياً، فانتهى الكهنوت البشري بمجيء المسيح (عب 10: 1، 9، 18). وقد أكمل المسيح مطالب الوظيفة الكهنوتية حتى لم يبقَ أدنى احتياج للكهنوت البشري (عب 10: 14 وكو 2: 10) ولذلك علّمنا الكتاب أن نأتي رأساً إلى المسيح لأنه كاهننا الوحيد العظيم (مت 11: 28 ويو 5: 40 و7: 37 ورؤ 3: 20 و22: 17 وكل رسالة العبرانيين).
9 - ما معنى أن لجميع المؤمنين حقوقاً كهنوتية؟
* بما أن المسيحي المؤمن متحد بالمسيح اتحاداً روحياً فهو يشترك في فوائد موت المسيح وفي أمجاد نصرته. وبإنعامٍ من الله تصير له حقوق خاصة مبنيّة على تلك الشركة، ومنها حق القدوم رأساً إلى الله بالمسيح، حتى حق الدخول إلى الأقداس بدم يسوع (عب 10: 19-22). فإذا تقدم المؤمن بقلبٍ صادق وبنفس متجددة مقدسة، فله أن يقدم ذبائح روحية (لا كفارية) كذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه معترفة باسمه، وذبيحة فعل الخير والتوزيع باسم يسوع المسيح، وأن يشفع في غيره من الأحياء (عب 13: 15، 16 و1تي 2: 1، 2 و1بط 2: 5، 9).
وبذات المعنى يكون المؤمنون جميعاً أنبياء وشركاء في سلطان المسيح الملكي (1يو 2: 20 ويو 16: 13 ورؤ 1: 6 و5: 10).